۩ الكبير ، العظيم ۩
أي الذي له الكبرياء نعتاً و العظمة وصفاً ، قال تعالى في الحديث القدسي : ( الكبرياء ردائي ، و العظمة إزاري ، فمن نازعني واحداً منهما قذفته في النّار ) رواه أحمد و أبو داود .
فله سبحانه و تعالى الكبرياء و العظمة الوصفان اللذان لا يقادر قدرهما ، و لا يبلغ العباد كنههما .
و المسلم إذا اعتقد و آمن بأن الله سبحانه و تعالى أكبر من كل ّ شئ ، و أنّ كلَّ شئ مهما كبر يصغر عند كبرياء الله و عظمته ، ذلَّ لربِّه و انكسر بين يديه ، و صرف له أنواع العبادة ، و اعتقد أنّه المستحقّ لها دون سواه ، و عرف أن كلَّ مُشرك لم يقدر ربَّه العظيم حقَّ قدره ، كما قال تعالى : ( وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَٱلأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَٱلسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ) _ الزمر 67_ .
و سبحان الله ! أين ذهبتْ عقول المشركين حين صرفوا ذلّهم و خضوعهم إلى مخلوقات ضئيلة ، و كائنات ذليلة ، لا تملك لنفسها شيئاً من النّفع و الضّر ، فضلا عن أن تملك لغيرها ، و تركوا الخضوع و الذّل للربِّ العظيم ، و الكبير المتعال ، و الخالق الجليل الذي عنّت له الوجوه ، و خشعت له الأصوات ، ووجلت القلوب من خشيته ، و ذّلت له الرِّقات ، تبارك الله ربّ العالمين .
۩ القويّ ، المتين ۩
و قد جاء اسم الله ( القويّ) في عدّة مواضع من القرآن الكريم ، منها قوله تعالى
ٱللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ وَهُوَ ٱلْقَوِيُّ ٱلْعَزِيزُ ) .
و اسم الله ( المتين ) لم يرد إلاّ في موضع واحد مقروناً بوصف الله بأنه ذو القوّة ، قال الله تعالى : (إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلرَّزَّاقُ ذُو ٱلْقُوَّةِ ٱلْمَتِينُ ) .
و معنى ( المتين) أي شديد القوّة .
و معنى ( القويّ) أي : الذي لا يعجزه شئ ، و لا يغلبه غالب ، و لا يرد قضاءه راد ، ينفذ أمره و يمضي قضاؤه في خلقه ، يعزّ من يشاء ، و يذلّ من يشاء ، و ينصر من يشاء ، و يخذل من يشاء ، فالقّوة لله جميعاً ، لا منصور إلا من نصره ، و لا عزيز إلا من أعزه ، قال الله تعالى : ( إِن يَنصُرْكُمُ ٱللَّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا ٱلَّذِي يَنصُرُكُم منْ بَعْدِهِ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ )
هذا و إنّ إيمان العبد بهذا الاسم يثمر فيه انكساراً بين يدي الله و خضوعا لجنابه و خوفا منه سبحانه و لُجوءاً إليه وحده ، و حسن توكل عليه ، و استسلاماً لعظمته ، و تفويضَ الأمور كلِّها إليه ، و التبرؤَ من الحول و القوة إلا به .
۩ الشّهيد ، الرّقيب ۩
أما ( الشّهيد ) فقد تكرّر في مواضع عديدة من القرآن ، قال تعالى ( وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً ) ، و أمّا الرقيب فقد ورد في ثلاثة مواطن ، قرن معه في أحدها اسم الشهيد ، قال تعالى : ( إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ) ، و قال تعالى
وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُل شَيْءٍ رَّقِيباً ) ، و قال تعالى : ( وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَىٰ كُل شَيْءٍ شَهِيدٌ ) .
و معنى الشّهيد أي المطلع على كلِّ شئٍ الذي لا يخفى عليه شئٌ ، سمع جميع الأصوات خفيها و جليها ، و أبصر جميع الموجودات دقيقها و جليلها ، صغيرها و كبيرها ، و أحاط علمُه بكل شئ ، الذي شهد لعباده و على عباده بما عملوه .
و معنى الرّقيب أي المطّلع على ما أكنته الصّدور القائم على كل نفس بما كسبت الذي حفظ المخلوقات و أجراها على أحسن نظام و أكمل تدبير ، رقيب للمبصرات ببصره الذي لا يغيب عنه شئ ، رقيب للمسموعات بسمعه الذي وسع كلّ شئ ، و رقيب على جميع المخلوقات بعلمه المحيط بكلِّ شئ .
و الإيمان بهذا الاسم و بمدلوله يحرِّك في العبد مراقبة الله عز و جل في كلّ أعماله و جميع أحواله ، إذ المراقبة ثمرة من ثمار علم العبد بأنّ الله سبحانه رقيب عليه ناظر إليه ، سامع لقوله ، مطّلع على علمه في كلِّ وقتٍ ، و كلِّ لحظة ، و كلِّ نَفَسٍ و كلِّ طرفةِ عينٍ .
۩ المهيمن ، المحيط ۩
أمّا ( المهيمن) فقد ورد في موضع واحد و هو قوله تعالى : ( هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْمَلِكُ ٱلْقُدُّوسُ ٱلسَّلاَمُ ٱلْمُؤْمِنُ ٱلْمُهَيْمِنُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْجَبَّارُ ٱلْمُتَكَبرُ سُبْحَانَ ٱللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ )
و معنى ( المهيمن ) أي : المطَّلع على خفايا الأمور ، و خبايا الصدور ، الذي أحاط بكلِّ شئ علمًا ، الشاهد على الخلق بأعمالهم ، الرقيب عليهم فيما يصدر منهم من قول أو فعل ، لا يغيب عنه من أفعالهم شئ ، و لا يعزب عنه مثقال ذرّة في الأرض و لا في السماء .
و أما ( المحيط ) فقد ورد في عدَّة مواضع ، قال تعالى : ( وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُل شَيْءٍ مُّحِيطاً) ، و قال تعالى : ( إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ) .
و هو اسم دال على إحاطة الله بكلِّ شئ علما و قدرةً و قهراً .
إحاطة علم ، فلا يعزب عنه من خلقه مثقال ذرة ، و إحاطة قدرة فلا يعجزه شئ في الأرض و لا في السماء ، و إحاطة قهر فلا يقدرون على فوته أو الفرار منه ، قال تعالى : ( يٰمَعْشَرَ ٱلْجِن وَٱلإِنسِ إِنِ ٱسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُواْ مِنْ أَقْطَارِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ فَٱنفُذُواْ لاَ تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ ) ، أي : لا تستطيعون هربا ً من أمر الله و قدره لأنه محيط بكل شئ علمًا و قدرةً و قهراً .
۩ المُقيـــــت ۩
جاء اسم ( المقيت ) في موضع واحد ، و هو قوله تعالى : ( مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَّهُ نَصِيبٌ منْهَا وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيئَةً يَكُنْ لَّهُ كِفْلٌ مَّنْهَا وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُل شَيْءٍ مُّقِيتاً ) .
قال ابن كثير رحمه الله : ( و قوله : ( وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُل شَيْءٍ مُّقِيتاً ) ، قال ابن عباس و عطاء و عطية و قتادة و مطر الورّاق ( مُّقِيتاً ) أي : حفيظاً ، و قال مجاهد : شهيداً ، و في رواية عنه : حسيبا ، و قال سعيد بن جبير و السدِّي و ابن زيد : قديراً ، و قال عبد الله بن كثير : المقيت : الواصب ، و قال الضّحاك : المقيت : الرزّاق ) .
و لا يمنع أن يكون هذا الاسم متناولاً لجميع هذه المعاني ، بأن يكون معناه : الذي أحاط علما بالعباد و أحوالهم ، و ما يحتاجون إليه ، و أحاط بهم قدرة ، فهو على كل شئ قدير ، و تولى حفظهم و رزقهم و إمدادهم ، الذي يقيت الأبدان بالأطعمة و الأرزاق ، و يقيت قلوب من شاء من عباده بالعلم و الإيمان .
۩ الـــواسـع ۩
اسم الله ( الواسع ) تكرّر في عدّة مواضع من القرآن .
و معناه : الواسع الصّفات و النّعوت ، و متعلقاتها ، بحيث لا يحصي أحدٌ ثناءً عليه ، بل هو كما أثنى على نفسه ، واسع العظمة و السّلطان و الملك ، واسع الفضل و الإحسان ، عظيم الجود و الكرم .
قال تعالى في بيان علمه و رحمته : ( رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً ) ، و قال تعالى في بيان سعة رزقه : ( إِن يَكُونُواْ فُقَرَآءَ يُغْنِهِمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) ، و قال تعالى في بيان سعة مغفرته : ( وَٱللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً منْهُ وَفَضْلاً وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) .
و من شواهد اسمه ( الواسع ) أنه سبحانه وسِّع على عباده في دينهم فلم يكلفهم ما ليس في وسعهم ، قال تعالى : ( لاَ يُكَلفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا ).
فلله الحمد على ما منّ و يسر حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ، كما يحب ربُّنا و يرضي .