۩ السَّميــع ۩
و هو اسم تكرَّر وروده في القرآن فيما يقرب من خمسين موضعاً منها قوله تعالى : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ ) ، و قوله تعالى : ( وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ ٱلْقَوَاعِدَ مِنَ ٱلْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ ) .
و ( السميع ) : هو الذي يسمع جميع الأصوات على اختلاف الّلغات و تفنن الحاجات ، و قد استوى في سمعه سرُّ القول و جهره ( سَوَآءٌ منْكُمْ مَّنْ أَسَرَّ ٱلْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِٱلْلَّيْلِ وَسَارِبٌ بِٱلنَّهَارِ) ، و سع سمعُه الأصوات كلَّها ، فلا تختلف عليه الأصواتُ و لا تشتبه ، و لا يشغله منها سمع عن سمع ، و لا يغلطه تنوع المسائل ، و لا يبرمه كثرة السائلين .
روى الإمام أحمد و غيره عن عائشة رضي الله عنها قالت : ( الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات ، لقد جاءت المجادلة إلى النبيّ صلى الله عليه و سلم تكلّمه و أنا في ناحية من البيت ما أسمع ما تقول ، فأنزل الله عز و جل : ( قَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِيۤ إِلَى ٱللَّهِ وَٱللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمآ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) و في رواية قالت : ( تبارك الذي وسع سمعُه كلَّ شئ ).
بل لو قام الجنّ و الإنس كلّهم من أوّلهم إلى أن يرث الله الأرض و من عليها في صعيد واحد ، و سألوا الله جميعا في لحظة واحدة ، و كلٌّ عرض حاجته ، و كلُّ تحدَّث بلهجته و لغته لسمعهم أجمعين دون أن يختلط عليه صوت بصوت أو لغة بلغة أو حاجة بحاجة .
۩ البصيـر ۩
و هو اسم تكرَّر وروده في القرآن في مواضع تزيد على الأربعين ، منها قوله تعالى : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ ) و قوله تعالى : ( إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً).
و ( البصير ) : أي : الذي يرى جميع المبصرات ، و يبصر كل شئ و إن دق و صغر ، فيبصر دبيب النّملة السوداء على الصخرة الصمّاء في الليلة الظلماء ، و يرى مجاري القوت في أعضائها ، و يبصر ما تحت الأرضين السبع كما يبصر ما فوق السموات السبع ، و يرى تبارك و تعالى تقلبات الأجفان ، و خيانات العيون .
و لقد أحسن من قال :
يا من يرى صفَّ البعوض جناحه ... في ظلمة اللّيل البهيم الأليل
ويــرى مناط عروقها في نحرهـا ... و المخ من تلك العظام النُحَّل
اُمـــنُن عــليّ بتوبـــة تمحــو بها ... ما كان مني في الزمان الأوّل
ثم إنَّ لهذا الاسم العظيم مقتضياته من الذّل و الخضوع و دوام المراقبة و الإحسان في العبادة والبعد عن المعاصي و الذنوب .
قال ابن رجب رحمه الله : ( راود رجل امرأة في فلاة ليلاً ، فأبت ، فقال لها : ما يرانا إلا الكواكب ، قالت : فأين مكوكبُها ؟ ) أي : ألا يرانا ، قال تعالى ( أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ ٱللَّهَ يَرَىٰ ) ، و كفى بهذا زاجرا و رادعًا .
۩ العـلـيـم ۩
و قد ورد هذا الاسم في القرآن الكريم في أكثر من مائة و خمسين موضعا ، قال تعالى : ( يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَهُوَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْقَدِيرُ ) ، و قال تعالى : ( وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ عَلِيماً) ، أي : الذي أحاط علمه بالظواهر و البواطن و الإسرار و الإعلان ، و بالعلم العلوي و السُّفلي ، بالماضي و الحاضر و المستقبل ، فلا يخفى عليه شئ من الأشياء علم ما كان و ما سيكون ، و مالم يكن أن لو كان كيف يكون ، أحاط بكلِّ شئ علما و أحصى كل شئ عددًا .
و للإيمان بهذا الاسم العظيم آثار مباركة على العبد ، بل هو أكبر زاجر و أعظم واعظ .
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله : ( أجمع العلماء على أنه أكبر واعظ و أعظم زاجر نزل من السماء الى الأرض ، ... و لا تكاد تقلب ورقة واحدة من أوراق المصحف الكريم إلا وجدت فيها هذا الواعظ الأكبر و الزاجر الأعظم ( بِكُل شَيْءٍ عَلِيمٌ) ، ( وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)، ( يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ ) ، ( وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا ) ، ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ) ، ( وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِيۤ أَنْفُسِكُمْ فَٱحْذَرُوهُ ) ، ( وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُواْ مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ ) .
فينبغي علينا جميعا أن نعتبر بهذا الزّاجر الأكبر ، و الواعظ الأعظم ، و أن لا ننساه لئلا نهلك أنفسنا ).
۩ الّلطيف ، الخبير ۩
و هما اسمان تكرَّر ورودهما مجتمعين في عدّة آيات من القرآن الكريم ، قال الله تعالى : ( لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) و قال تعالى في ذكر وصية لقمان الحكيم لابنه : ( يٰبُنَيَّ إِنَّهَآ إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ منْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ أَوْ فِي ٱلأَرْضِ يَأْتِ بِهَا ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِير)
أمّا الخبير: فمعناه : الذي أدرك علمُه السرائر ، واطّلع على مكنون الضّمائر ، وعلم خلفيات البذور ، و دقائق الذّرّات ، فهو اسم يرجع في مدلوله إلى العلم بالأمور الخفيّة التي هي غاية اللّطف و الصغر ، و في غاية الخفاء ، و من باب أولى و أحرى علمه بالظواهر و الجليّات .
و أمّا اللّطيف فله معنيان :
أحدهما : بمعنى الخبير وهو أن علمه دقّ ولطُف حتى أدرك السّرائر والضّمائر والخفيات.
المعنى الثاني : الذي يوصل إلى عباده و أوليائه مصالحهم بلطفه وإحسانه من طرق لايشعرون بها.
۩ العفوّ ، الغفور ۩
قال الله تعالى : ( ذٰلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ) ، و قال تعالى : ( فَأُوْلَـٰئِكَ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ ٱللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً )
و العفوّ : هو الذي يمحو السيئات ، و يتجاوز عن المعاصي ، و هو قريب من الغفور ، و لكنه أبلغ منه ، فإنّ الغفران ينبئ عن السِّتر ، و العفو ينبئ عن المحو ، و المحو أبلغ من السِّتر ، و هذا حال الإقتران ، أما حال انفرادهما فإن كلّ واحد منهما يتناول معنى الآخر .
و عفوه تعالى نوعان :
النوع الأول : عفوه العام عن جميع المجرمين من الكفار و غيرهم ، بدفع العقوبات المنعقدة أسبابها ، و المقتضية لقطع النّعم عنهم ، فهم يؤذونه بالسَّب و الشَّرك و غيرها من أصناف المخالفات ، و هو يعافيهم و يرزقهم و يدرّ عليهم النعم الظاهرة و الباطنة ، و يبسط لهم الدّنيا ، و يعطيهم من نعيمها و منافعها و يمهلهم بعفوه و حلمه سبحانه .
و النوع الثاني : عفوه الخاص ، و مغفرته الخاصّة للتائبين و المستغفرين و الدّاعين و العابدين ، و المصابين بالمصائب المحتسبين ، فكلّ من تاب إليه توبة نصوحا _ و هي الخالصة لوجه الله العامة الشّاملة التي لا يصحبها تردُّد و لا إصرار _ فإنّ الله يغفر له من أي ذنب كان ، من كفر و فسوق و عصيان : و كلّها داخلة في قوله تعالى : (قُلْ يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ )
و أبواب عفوه و غفرانه مفتوحة ، ولم يزل و لا يزال عفوّاً غفوراً ، و قد وعد بالمغفرة و العفو لمن أتى بأسبابها كما قال سبحانه : ( وَإِني لَغَفَّارٌ لمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحَاً ثُمَّ ٱهْتَدَىٰ ).
۩ العليّ ، الأعلى ، المتعال ۩
قال تعالى : ( وَهُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْعَظِيمُ ) ، و قال تعالى : ( سَبحِ ٱسْمَ رَبكَ ٱلأَعْلَىٰ ) ، و قال تعالى : ( عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ ٱلْكَبِيرُ ٱلْمُتَعَالِ ) .
و هذه الأسماء تدلُّ على علوه المطلق بجميع الوجوه و الإعتبارات :
فهو العليّ علو ذات ، قد استوى على العرش ، و علا على جميع الكائنات ، و باينها ، قال تعالى : ( ٱلرَّحْمَـٰنُ عَلَى ٱلْعَرْشِ ٱسْتَوَىٰ) ، و قال تعالى في ست آيات من القرآن : ( ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ ) أي : علا و ارتفع عليه علوّاً يليق بجلاله و كماله و عظمته سبحانه .
و هو العلي علو قدر ، و هو علو صفاته و عظمتها ، فإنّ صفاته عظيمة ٌ لا يماثلها و لا يقاربها صفة أحد ، بل لا يطيق العباد أن يحيطوا بصفة واحدة من صفاته .
و هو العلي علو قهر ، حيث قهر كلّ شئ ، و دانت له الكائنات بأسرها ، فجميع الخلق نواصيهم بيده ، فلا يتحرّك منهم متحرِّك ، و لا يسكن ساكن إلاّ بإذنه و ما شاء كان و ما لم يشأ لم يكن .
و الإيمان بعلو الله على خلقه يورث العبد تعظيما لله و ذلاّ بين يديه ، و انكساراً له ، و تنزيها عن النقائص و العيوب ، و إخلاصاً في عبادته ، و بعداً عن اتخاذ الأنداد و الشّركاء ، قال الله تعالى : ( ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ ٱلْبَاطِلُ وَأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْكَبِيرُ) .