۩ الخالق ، البارئ ، المصوّر ۩
و قد جمع الله هذه الأسماء الثلاثة في قوله سبحانه : ( هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ) أي : هو المنفرد بخلق جميع المخلوقات و برَأ بحكمته جميع البريّات و صوّر بإحكامه و حُسن خَلْقِه جميع الكائنات فَخَلَقهَا و أبدعها و فطرها في الوقت المناسب لها و قدر خلقها أحسن تقدير و صنعها أتقن صنع و هداها لمصالحها و أعطى كلَّ شئ خلقه اللائق به ثم هدى كل مخلوق لما هيئ و خلق له .
فالخالق هو المقدِّر للأشياء على مقتضى حكمته و البارئ الموجد لها بعد العدم و المصوّر أي المخلوقات و الكائنات كيف شاء ، فالبارئ المصور فيهما كما قال ابن القيم تفصيل لمعنى اسم الخالق فالله عزّ و جل إذا أراد خلق شئ قدّره بعلمه و حكمته ثم برأه أي : أوجده وفق ما قدره في الصورة التي شاءها و أرادها سبحانه .
فانتظمت هذه الأسماء الثلاثة حسب ترتيبها في الآية على الخلق أولاً و هو تقدير وجود المخلوق ثم بريه و هو إيجاده من العدم ثم جعله بالصورة التي شاءها سبحانه .
۩الملك المليك ۩
و قد ورد اسم الملك في القرآن الكريم في خمسة مواضع منها قوله تعالى : ( هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْمَلِكُ ٱلْقُدُّوسُ ٱلسَّلاَمُ) ، وورد اسم المليك في موضع واحد في قوله تعالى : ( إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرِ)
و هذان الاسمان دالان على أنَّ الله سبحانه ذو الملك ، أي المالك لجميع الأشياء المتصرف فيها بلا ممانعة و لا مدافعة .
و قد تكرّر في القرآن الكريم بيان أن تفرد الله بالملك لا شريك له دليل ظاهر على وجوب إفراده وحده بالعبادة ، قال تعالى : ( ذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ ٱلْمُلْكُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ ) .
و أن عبادة من سواه ممن لا يملك لنفسه ضرّاً و لا نفعاً و لا حياةً و لا موتاً و لا نشوراً أضل الضّلال و أبطل الباطل ، و قد ورد في القرآن آيات عديدة تقرر هذه الحقيقة و تجلي هذا الأمر .
كما قال الله تعالى : ( ذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ ٱلْمُلْكُ وَٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ ) و قال تعالى : ( وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ آلِهَةً لاَّ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلاَ يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً وَلاَ يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلاَ حَيَاةً وَلاَ نُشُوراً ) .
و من لا يملك في هذا الكون و لا مثقال ذرّة لا يجوز أن يصرف له شئ من العبادة ، إذ العبادة حقٌّ للملك العظيم و الخالق الجليل و الرّب المدبر لهذا الكون لا شريك له عزّ شأنه و عظم سلطانه و تعالى جدّه و لا اله غيره .
۩ الرزّاق ، الرّازق ۩
و قد ورد اسم الله ( الرزّاق) في موضع واحد من القرآن الكريم ، و هو قول الله تعالى : ( إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلرَّزَّاقُ ذُو ٱلْقُوَّةِ ٱلْمَتِينُ) .
وورد اسم ( الرّزاق) بصيغة الجمع في مواضع منها قوله تعالى : (وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ) ، وورد أيضاً في السنة كما سيأتي ذكره في ( القابض الباسط ) .
فالله سبحانه هو الرزَّاق أي : المتكفل بأرزاق العباد القائم على كل نفس بما يقيمها من قوتها ، قال تعالى : ( وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا ) و قال تعالى : ( وَكَأَين من دَآبَّةٍ لاَّ تَحْمِلُ رِزْقَهَا ٱللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ ) .
و رزق الله لعباده نوعان :
الأول : رزق عام يشمل البر و الفاجر و المؤمن و الكافر و الأوّلين و الآخرين و هو رزق الأبدان ( وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا) ، و عليه فليس كثرة هذا الرِّزق في الدّنيا دليلاً على كرامة العبد عند الله كما أن قلَّته ليس دليلاً على هوانه عنده ، قال تعالى : ( فَأَمَّا ٱلإِنسَانُ إِذَا مَا ٱبْتَلاَهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبيۤ أَكْرَمَنِ * وَأَمَّآ إِذَا مَا ٱبْتَلاَهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبيۤ أَهَانَنِ) أي : ليس كلُّ من نعّمتُه في الدّنيا فهو كريم عليّ ، و لا كل من قدَرْتُ عليه رزقه فهو مُهان لديّ ، و إنما الغنى و الفقير و السعة و الضيق ، ابتلاء من الله و امتحان ليعلم الشاكر من الكافر و الصابر من الجازع .
النوع الثاني : رزق خاص ، و هو رزق القلوب و تغذيتها بالعلم و الإيمان و الرزق الحلال الذي يعين على صلاح الدين ، و هذا خاص بالمؤمنين على مراتبهم منه بحسب ما تقتضيه حكمته و رحمته ، و يُتمُّ سبحانه كرامته لهم ، ومنّه عليهم بإدخالهم يوم القيامة جنّات النعيم، قال تعالى : ( وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ ٱللَّهُ لَهُ رِزْقاً )
۩ الأحـد ، الواحـد ۩
أما اسمه تبارك الأحد فقد ورد في موضع واحد من القرآن في سورة الإخلاص ، و هي السورة العظيمة التي ورد في السنَّة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنها تعدل ثلث القرآن لكونها أخلصت لبيان أسماء الرب الحسنى و صفاته العظيمة العليا .
و أما اسمه الواحد فقد تكرّر مجيئه في مواضع عديدة من القرآن .
و هما اسمان دالَّان على أحَدِية الله ووحدانيته ، أي أنه سبحانه هو المتفرد بصفات المجد و الجلال ، المتوحِّد بنعوت العظمة و الكبرياء و الجمال ، فهو واحد في ذاته لا شبيه له وواحد في صفاته لا مثيل له ، وواحد في أفعاله لا شريك له و لا ظهير ، وواحد في ألوهيته فليس له ندّ في المحبة و التعظيم و الذل و الخضوع .
و قد تكرّر ورود اسم الله الواحد في القرآن الكريم في مقامات متعددة في سياق تقرير التوحيد و إبطال الشرك و التنديد .
فقال سبحانه و تعالى في تقرير الوحدانية ووجوب إخلاص الدين له : ( وَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلرَّحْمَـٰنُ ٱلرَّحِيمُ ) ، و قال الله تعالى في ابطال عقائد المشركين : ( وَقَالَ ٱللَّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلـٰهَيْنِ ٱثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلـٰهٌ وَاحِدٌ فَإيَّايَ فَٱرْهَبُونِ ) و قال الله تعالى : ( أَأَرْبَابٌ مُّتَّفَرقُونَ خَيْرٌ أَمِ ٱللَّهُ ٱلْوَاحِدُ ٱلْقَهَّارُ ) .
فالواجب على العباد توحيده عقداً و قولاً و عملاً ، بأن يعترفوا بكماله المطلق و تفرده بالوحدانية ، و أن يفردوه بأنواع العبادة وحده لا شريك له .