ـ«§»¶عمل المرأة.. بين التصور الإسلامي والتصور الغربي ¶«§»ـ
عمل المرأة.. بين التصور الإسلامي والتصور الغربي
- أوّلاً: عمل المرأة في التصور الغربي
البنت عند الغرب إذا بلغت سنّاً معيّنة، وهو في الغالب سبعة عشر عاماً، لا يصبح لزاماً على أبيها أو أقربائها الإنفاق عليها، بل يجب عليها أن تبحث عن عمل لها تعيش منه وتدخر منه ما تقدمه لزوجها المنتظر، فإذا تزوّجت كان عليها أن تقاسم زوجها نفقات البيت والأولاد، فإذا بلغت سن الشيخوخة وكانت لا تزال قادرة على الكسب، فلا يسعها إلا الإستمرار في العمل لكسب قوتها، ولو كان إبنها أو زوجها من أغنى الناس.
ولا غرو فإنّ آثار هذه الفلسفة المادية الأنانية واضحة في ديار الغرب اشتكى منها المفكِّرون في تلك البلاد وصرخت منها المرأة الأوروبية منذ زمن بعيد.
- قصة خروج المرأة الأوروبية إلى العمل في المصانع:
ترجع القصة إلى عهد الثورة الصناعية التي قلبت الأوضاع كلّها في أوروبا حيث خرج الرجال إلى العمل في المدينة، وتركوا مواطنهم الريفية، وتركوا نساءهم بلا معيل ينفق عليهنّ، وانشغلوا بحياتهم في المدينة، وانبهروا بلذّاتها ومُتعها، وقضوا شهواتهم بلا ثمن ولا مسؤولية، فاضطرّت المرأة إلى الخروج للعمل في المصانع شيئاً فشيئاً بحثاً عن لقمة العيش والتقطها أصحاب المصانع كي يضربوا بها حركات العُمّال المطالبة بتخفيض ساعات العمل وزيادة الأجور للعُمّال من الرجال، فشغَّلها أصحاب المصانع ساعات طويلة من العمل وأعطوها أجراً أقل من الرجل الذي يقوم معها بنفس العمل في نفس المصنع، وقسوا عليها إلى أقصى حد، واستغلوا حاجتها إلى المال أسوأ استغلال دونما ضمير أو خلق.
وجاءت الحرب العالمية الأُولى وقتل عشرة ملايين من الشباب الأوروبيين والأمريكان، وواجهت المرأة قسوة المحنة بكل بشاعتها، فقد وجدت ملايين من النِّساء أنفسهنّ بلا عائل، إمّا لأن عائلهنّ قد قُتل في الحرب أو شوِّه، أو جُنَّ أو مرض مرضاً عصبياً، فكان حتماً على كل إمرأة أن تعمل وإلا جاعت وجاع صغارها، كما أصبحت المصانع في حاجة إلى مَن يُشَغِّلها بعدما غابت الأيدي العاملة من الرجال، وكان على المرأة أن تواجه أصحاب المصانع ومَن تبقّى معهم من الرجال وهؤلاء جميعاً لا يريدون أيدي عاملة فقط، وإنما يريدون جسد المرأة، وكان امتحاناً قاسياً سقط فيه أكثر نساء أوروبا، فبذلت المرأة نفسها للراغبين تحت إلحاح الجوع الذي لا يرحم، وكذا تحت تأثير الشهوة الجنسية التي لا تجد مَن يطفئها بسبب النقص الهائل في عدد الرجال الذي خلَّفته الحرب التي حصدت ملايين الشباب، ولم يكن عند الأوروبيين حل ديني لتلك المشكلة، فدينهم يحرم تعدد الزوجات وهو الحل الإسلامي لمثل هذه الحالة الإستثنائية.
وهكذا سارت المرأة في طريقها المحتوم تبذل نفسها للراغبين، وتعمل في المصنع والمتجر وتشبع رغائبها ورغائب الذائب، وبذلت المرأة نفسها وكبرياءها وأنوثتها واستقرارها الأسري وحقّها في الحياة الكريمة، والثمن هو نصف أجر العامل من الرجال.
يقول الأستاذ محمد قطب: لو كان في أوروبا تشريع سماوي يوجب على الرجل كفالة المرأة في جميع أحوالها، لما وُجدت إمرأة تتعرّض للموت جوعاً فتضطر إلى الهجرة من الريف إلى المدينة للعمل من أجل قوتها وقوت صغارها.. ولو كان عند الرأسمالية الأوروبية ضمير، ما استغلت وضع المرأة التي اضطرت للعمل ولما أعطتها نصف أجر الرجل وهي تقوم بنفس العمل الذي يقوم به.. ولو كان الرجل الأوروبي لم يفسد، لما شملت قضية حقوق المرأة عندهم حقّها في الفساد والإنحراف الذي كان الرجل قد ناله منذ الثورة الفرنسية، ولما تابعته المرأة فطالبت به كحق مشروع تحت مسمّى "حق المرأة في إبداء عواطفها" الذي تطور إلى "حق المرأة في أن تهب نفسها لمن تشاء" أي حقّها في البغاء!
- ثانياً: عمل المرأة في التصور الإسلامي
نستطيع أن نقول بثقة بالغة إنّ الشريعة الإسلامية أعطت المرأة حق مزاولة المهن إلا ما لا يليق بكرامتها أو عفّتها، وما لا يناسب طبيعتها وفطرتها، وفرق كبير بين حق المرأة في أن تعمل وبين الإيجاب والإلزام أن تعمل لكسب المال.
فالإسلام الذي يجيز للمرأة مزاولة المهن والحرف والتجارات والعقود، لا يُلزم المرأة أن تعمل أو تتوظف ولا يسمح بإجبارها على ذلك، وكل مَن يدرس نظام النفقات الواجبة في الإسلام يقف على عظمة هذا النظام، فالمرأة لم يكلفها الإسلام بالنفقة على نفسها، أو على بيتها، ولكن النفقة تكون على الأب أو المُعيل حتى تتزوّج فينتقل الواجب إلى الزوج. وفي حالة عدم وجود المُعيل، يجب على الدولة أن توفِّر لها معاشاً راتباً يجعلها تعيش حياة كريمة.
ويرى المحققون من العلماء أنّ عمل المرأة خارج بيتها جائز شرعاً، لأنه ليس لأحد أن يحرم بغير نص شرعي صحيح صريح، والأصل في الأشياء والتصرفات العادية الإباحة كما هو معلوم، كما أنه ليس جائزاً في حالات الضرورة القصوى أو حالات الحاجة الإقتصادية فحسب. كما يؤكدون أنّ للمرأة العاملة الحق الكامل في المساواة في الأجر بالرجل الذي يقوم بنفس ما تقوم به.
- أعظم وظائف المرأة
وكون الإسلام يمنع إجبار المرأة على خوض غمار الحياة لا يعني انتقاصاً من قدرها بل على العكس من ذلك، فالإسلام فعل ذلك تقديراً منه لمهمّتها الأساسية في تربية النشء والعناية بالبيت والزوج، وهي حقاً مهمة شاقة تحتاج إلى جهد كبير وعمل متواصل ومعاونة من الزوج والأبناء.
ولاريب أنّ عمل المرأة الأوّل والأعظم الذي لا ينازعها فيه منازع ولا ينافسها فيه منافس، هو القيام بشأن بيتها وزوجها من حسن تبعُّلها له وحسن رعايتها لأولادها، ولا شك أنها وظيفتها الكبرى التي هيّأها الله لها بدنياً ونفسياً، ويجب ألا يشغلها عن هذه الرسالة العظيمة شاغل مادي أو أدبي مهما كان، فإن أحداً لا يستطيع أن يقوم مقام المرأة في هذا العمل الخطير، الذي عليه يتوقّف مستقبل الأُمّة وبه تتكوّن أعظم ثرواتها وهي الثروة البشرية.
ورحم الله شاعر النيل حافظ إبراهيم حين قال:
الأُم مدرسة إذا أعددتها*****أعددت شعباً طيب الأعراق