أولاً: مفهوم عمل المرأة:
العمل لغة: مصدر مأخوذ من عَمِلَ يعمَل عملاً، والعَمَل: المِهْنَة والفِعْل[1].
وعمل المرأة: هو تلك الجهود البدنيّة والفكريّة التي تبذلها المرأة في الميدان العملّي لتحقيق منفعة[2].
ثانياً: أهمية العمل وفضله في الإسلام:
1- ثناء الشريعة على العمل:
عن المقداد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما أكل أحد طعامًا قطّ خيرًا من أن يأكل من عمل يده))[1].
قال ابن حجر: "وفي الحديث فضل العمل باليد، وتقديم مباشرة الشخص بنفسه على ما يباشره بغيره"[2].
2- أن أطيب ما يأكله الرجل من كسبه:
فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((أطيب ما يأكله الرجل من كسبه، وإن ولده من كسبه))[3].
3- أن الأنبياء كلهم كانوا يعملون في التجارة والتكسب:
قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ ٱلطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِى ٱلأسْوَاقِ} [الفرقان:20].
قال ابن كثير: "يقول تعالى مخبرًا عن جميع من بعثه من الرسل المتقدمين أنهم كانوا يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق للتكّسب والتجارة"[4].
4- الساعي لكسب الرزق كالمجاهد في سبيل الله:
قال تعالى: {عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُمْ مَّرْضَىٰ وَءاخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِى ٱلأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ وَءاخَرُونَ يُقَـٰتِلُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ فَٱقْرَءواْ مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} [المزمل:20].
قال القرطبي: "سوّى الله تعالى في هذه الآية بين درجة المجاهدين والمكتسبين المال الحلال للنفقة على نفسه وعياله... فكان هذا دليلاً على أنّ كسب المال بمنزلة الجهاد؛ لأنّه جمعه مع الجهاد في سبيل الله"[5].
وعن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: مرّ على النبي صلى الله عليه وسلم رجل، فرأى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من جَلَدِه ونشاطه، فقالوا: يا رسول الله، لو كان هذا في سبيل الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن كان خرج يسعى على ولده صغارًا فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفّها فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى رياء ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان))[6].
5- العمل وسيلة لدفع الفقر وإعفاف النفس عن المسألة:
فعن الزبير بن العوام رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لأن يأخذ أحدكم أحبلاً، فيأخذ حزمة من الحطب، فيبيع، فيكفّ الله بها وجهَه خير من أن يسأل الناس أعطي أو منع))[7].
قال العيني: "والمعنى: إنّ لمَّ الاحتطاب من الحرف مع ما فيه من امتهان المرء نفسَه ومع المشقة خير له من المسألة"[8].
6- أن إتقان العمل من الأعمال المحبَّبة إلى الله عز وجل:
فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله يحبّ إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه))[9].
ثالثاً: موقف الإسلام من عمل المرأة:
لا تمنع الشريعة الإسلامية المرأةَ من العمل إن هي احتاجَت إلى ذلك أو فرضت ظروفُ المجتمع ومصالحه عمَلَها، على أن يكونَ في إطارٍ شرعيّ وضوابطَ شرعية[1]، وهي كالآتي:
1- أن لا تعمل في المجالاتِ التي تفرِض الاختلاطَ أو السفور أو الخلوة، قال تعالى: {يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ قُل لأِزْوٰجِكَ وَبَنَـٰتِكَ وَنِسَاء ٱلْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَـٰبِيبِهِنَّ} [الأحزاب:59].
قال قتادة: "أخذ الله عليهن إذا خرجن أن يقنِّعن على الحواجب"[2].
وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إياكم والدخولَ على النساء))، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، أفرأيت الحمو؟ قال: ((الحمو الموت))[3].
وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يخلونَّ رجل بامرأة إلا مع ذي محرم))، فقال رجل: يا رسول الله، امرأتي خرجَت حاجّة واكتُتِبتُ في غزوة كذا وكذا؟ قال: ((ارجع فحجَّ مع امرأتك))[4].
قال الشيخ عبد العزيز بن باز: "الدعوة إلى نزول المرأة في الميادين التي تخصّ الرجال أمرٌ خطير على المجتمع الإسلاميّ، ومن أعظم آثاره الاختلاط الذي يعتبر من أعظم وسائل الزنا الذي يفتك بالمجتمع"[5].
2- أن تكون المرأة محتاجة أو تفرض ظروف المجتمع ومصالحه عملَها:
قال الله تعالى: {وَقَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ ٱلْجَـٰهِلِيَّةِ ٱلأولَىٰ} [الأحزاب: 32].
قال القرطبي: "معنى هذه الآية الأمر بلزوم البيت، وإن كان الخطاب لنساء النبي صلى الله عليه وسلم فقد دخل غيرهنّ فيه بالمعنى، هذا لو لم يرد دليل [يعمّ] جميع النساء، كيف والشريعة طافحة بلزوم النساء بيوتهن والانكفاف عن الخروج منها إلا لضرورة"[6].
وقال ابن كثير: "الزَمنَ بيوتكن فلا تخرجنَ لغير حاجة"[7].
وعن جابر رضي الله عنه قال: طُلِّقَت خالتي، فأرادت أن تجذَّ نخلها ـ أي: تقطع ثمرها ـ فزجرها رجل، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((بلى، جذّي نخلك، فإنك عسى أن تصَّدَّقي أو تفعلي معروفًا))[8].
قال النووي: "هذا الحديث دليل لخروج المعتدّة البائن للحاجة"[9].
3- أن تأمنَ الفتنة:
عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما تركت بعدي فتنة أضرّ على الرجال من النساء))[10].
قال ابن حجر: "ويدلّ الحديث على أن الفتنة بالنساء أشدّ من الفتنة بغيرهنّ، ويشهد له قوله تعالى: {زُيّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوٰتِ مِنَ ٱلنّسَاء وَٱلْبَنِينَ وَٱلْقَنَـٰطِيرِ ٱلْمُقَنطَرَةِ}
[آل عمران:74]، فجعلهنّ من حبّ الشهوات، وبدأ بهنّ إشارة إلى أنهن الأصل في ذلك"[11].
قال الشيخ ابن باز: "فعمل المرأة بين الرجال من غير المحارم فتنة تضعها على الطريق الموصل إلى ما لا تحمَد عقباه مما حرّم الله، وما يؤدّي إلى الحرام حرام"[12].
4- أن يأذنَ لها وليّها بالعمل خارجَ البيت:
قال ابن العربي في توضيح معنى الدرجة التي للرجال في قوله تعالى: {وَلِلرّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة:288]: "حجرت التصرف إلا بإذنه، وأن تقدّم طاعتَه ـ أي: الزوج ـ على طاعة الله في النوافل"[13].
وقال الكاساني: "فالمرأة محبوسة بحبس النّكاح، وهو حقٌّ للزوج، وتصير بمقتضاه ممنوعة من الاكتساب، ولما كان نفع حبسها عائدًا إليه كانت كفايتها عليه"[14].
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا استأذنكم نساؤكم إلى المساجد فأذنوا لهن))[15].
قال النوويّ: "استُدلّ به على أن المرأة لا تخرج من بيت زوجها إلا بإذنه لتوجُّه الأمر إلى الأزواج بالإذن"[16].
5- أن لا يستغرقَ العمل جهدَها، بحيث يؤدي إلى ضياع الأسرة، أو يتنافى العمل مع طبيعتها:
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
((كلّكم راعٍ، وكلّكم مسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها))[17].
قال الشيخ ابن باز: "إنّ عملَ المرأة بعيدًا عن الرّجال إن كان فيه مضيَعة للأولاد وتقصيرٌ بحقّ الزوج من غير اضطِرار شرعيّ لذلك يكون محرَّمًا؛ لأنّ ذلك خروج على الوظيفة الطبيعية وتعطيل للمهمة الخطيرة التي عليها القيام بها، مما ينتج عنه سوء بناء الأجيال، وتفكّك عُرى الأسرة التي تقوم على التعاون والتكافل"[18].
وقال الله تعالى: {وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ لّلرّجَالِ نَصِيبٌ مّمَّا ٱكْتَسَبُواْ وَلِلنّسَاء نَصِيبٌ مّمَّا ٱكْتَسَبْنَ} [النساء:32].
قال أبو السعود: "لكلٍّ من الفريقين نصيب خاصّ به من الأجر يترتّب على عمله، فللرجال أجر بمقابلة ما يليق بهم من الأعمال كالجهاد ونحوه، وللنساء أجر بمقابلة ما يليق بهن من الأعمال كحفظ حقوق الأزواج ونحوه، فلا تتمنى النساء خصوصية أجر الرجال، وليسألنّ من خزائن رحمته تعالى ما يليق بحالهنّ من الأجر"[19].
وقال الشيخ ابن باز: "وقد حرص الإسلام أن يبعدَ المرأة عن جميع ما يخالف طبيعتها... فالإسلام يمنع تجنيدَ المرأة في غير ميدانها الأصيل"[20].
6- أن لا يكونَ عملها تسلّطًا على الرجال:
قال الله تعالى: {ٱلرّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى ٱلنّسَاء} [النساء:34].
قال ابن العربي: "فرَضَ عليها السّكون والقرار في البيت، وحبّبه إليها، وأمرها بعدم الخضوع في القول، ولا يتأتى ذلك منها حين تتسلط على الرجال وتديرهم؛ إذ ذلك يقتضي مخالطتهم ومخاطبتهم بمختلف ضروب الكلام وبشتى الأساليب"[21].
وعن أبي بكرة رضي الله عنه قال: لقد نفعني الله بكلمة سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم أيامَ الجمل بعدما كدت ألحق بأصحاب الجمل فأقاتل معهم، قال: لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أهل فارس قد ملّكوا عليهم بنت كسرى قال: ((لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة))[22].
قال الخطابي: "فيه من العلم أنّ النساء لا تلي الإمارة ولا القضاء"[23].
وقال الشيخ ابن باز: "وقد حرص الإسلام على أن يبعد المرأة عن جميع ما يخالف طبيعتها، فمنعها من تولي الولاية العامة كرئاسة الدولة والقضاء وجميع ما فيه مسؤوليات عامة، لقوله صلى الله عليه وسلم: ((لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة))"[24].
--------------------------------------------------------------------------------
[1] ينظر: التدابير الواقية من الزنا في الفقه الإسلامي لفضل إلهي ظهير (ص:725)، ومشكلات المرأة المسلمة المعاصرة لمكية مرزا (ص: 282–290)، وعمل المرأة وموقف الإسلام منه لعبد الرب نواب الدين (ص:174–199)، والمرأة المسلمة وفقه الدعوة إلى الله (ص:349).
[2] انظر: تفسير الطبري (4/22).
[3] رواه البخاري في النكاح، باب: لا يخلون رجل بامرأة إلا ذو محرم (523)، ومسلم في السلام، باب: تحريم الخلوة بالأجنبية والدخول عليها (1341).
رابعاً: مجالات عمل المرأة في الإسلام ونماذجها:
قال الشيخ ابن باز: "المرأة تقوم بتربية الأولاد والعطف والحنان والرضاعة والحضانة والأعمال التي تناسبها كتعليم الصغار وإدارة مدارسهم والتطبيب والتمريض ونحو ذلك من الأعمال المختصّة بالنساء"[1].
النَّمـاذج:
1- مجال العلم والتعليم:
وعن الشفاء بنت عبد الله قالت: دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا عند حفصة، فقال لي: ((ألا تعلّمين هذه رقيةَ النملة كما علّمتيها الكتابة))[2].
وكانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها يلجأ إليها كبارُ الصحابة يسألونها عن الفرائض[3].
2- مجال الدعوة إلى الله:
كانت أم شريك غزية بنت جابر بن حكيم الدوسية بعد أن أسلمت وهي بمكة جعلت تدخل على نساء قريش سرًّا فتدعوهن وترغّبهن في الإسلام، حتى ظهر أمرها لأهل مكة، فاضطهدوها وعذّبوها[4].
3- مجال الجهاد والغزوات:
وعن أم عطية رضي الله عنها قالت: غزوت مع رسول الله سبع غزوات أخلفهم في رحالهم، فأصنع لهم الطعام، وأداوي الجرحى، وأقوم على المرضى[5].
4- مجال الحِرَف اليدوية:
فعن سهل بن سعد أن امرأة جاءت ببردة ـ وهي الشملة منسوج في حاشيتها ـ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إني نسجت هذه بيدي أكسوكها، فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم محتاجًا إليها، فخرج إلينا وإنها لإزاره[6].
5- مجال التطبيب:
عن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بأم سليم ونسوة من الأنصار معه إذا غزا، فيسقين الماء ويداوين الجرحى[7].
6- مجال الشؤون البيتية:
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: كانت ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت من أكرم أهله عليه، وكانت زوجتي، فجرّت بالرحى حتى أثر الرحى بيدها، وأسقت بالقربة حتى أثّرت القربة بنحرها، وقمّت ـ أي: كنست ـ البيت حتى اغبرّت ثيابها، وأوقدت تحت القدر حتى دنست ثيابها، فأصابها من ذلك ضرر[8].
خامساً: الآثار السلبية من عمل المرأة بدون الضوابط الشرعية:
1- ظهور تغيّرات في جسم المرأة تفقدها أنوثتها:
قالت طبيبة نمساوية: "ظهر من استقراء الإحصاءات أن نقصَ المواليد للزوجات العاملات لم يكن أكثره عن اختيار، بل عن عقم استعصَى علاجه... وبفحصِ نماذج شتى منوّعة من حالات العقم اتّضح أنه في الغالب يرجع إلى عيبٍ عضويّ ظاهر... ممّا دعا العلماءَ إلى افتراض تغيّر طارئ على كيان الأنثى العاملة نتيجةً لانصرافها المادّي والذّهني والعصبي عن قصد أو غير قصد عن مشاغل الأمومة ودنيا حواء وتشبّثها بمساواة الرجل ومشاركته في ميدان عمله"[1].
2- انتشار التحرّش على النساء:
يقول لين فارلي: "إن الاعتداءات الجنسية بأشكالها المختلفة منتشرة انتشارًا ذريعًا في الولايات المتّحدة وأوربا... وهي القاعدة وليست الاستثناء بالنسبة للمرأة العاملة في أي نوعٍ من الأعمال تمارسه مع الرجال"[2].
3- كثرة الجرائم وفساد الأخلاق:
قالت الدكتورة إيدابلين: "إن سبب الأزمات العائلية في أمريكا وسرّ كثرة الجرائم في المجتمع هو الزوجة، تركت بيتها لتضاعِف دخلِ الأسرة، فزاد الدخل وانخفض مستوى الأخلاق"[3].
4- كثرة عدد أولاد الزنا:
تقول الكاتبة الإنجليزية اللادي كوك: "إن الاختلاط يألفه الرجال، ولهذا طمعت المرأة بما يخالف فطرتها، وعلى قدر كثرة الاختلاط تكون كثرة أولاد الزنا"[4].
5- تحطّم سعادة الأسرة:
يقول سامويل سمايلس: "إن النظام الذي يقضي بتشغيل المرأة في المعامل مهما نشأ عنه من الثروة للبلاد، فإن نتيجته كانت هادمة لبناء الحياة المنزلية"[5].
سادساً: شبهات وردود:
الشبهة الأولى: "إن منعَ المرأة من العمل مطلقًا هو تعطيل لقوّة نصف المجتمع، ومن الظلم أن تبقى الإناث فارغات اليد من العمل، عاطلات عن الكسب، وإن البلدان الإسلامية اليوم في جملتها متخلّفة، وهذا يعني أنها تحتاج لبنائها إلى تجنيد كل الطاقات رجالاً ونساءً"[1].
والجواب:
1- إن المرأة إن أدّت واجباتها الأساسية كزوجة وأم وفرد له مسؤولياته في الأسرة على الوجه المطلوب الذي رسمه الإسلام لا تكون امرأةً عاطلة عن العمل بحال.
يقول برناردشو: "إن العمل الذي تنهض به النساء هو العمل الذي لا يمكن الاستغناء عنه، هو حمل الأجنة وولادتها... لكنهنّ لا يؤجرون على ذلك بأموال نقدية، وهذا ما جعل الكثير من الحمقى ينسون أنه عمل على الإطلاق".
2- من الشطط أن يمجَّد عمل المرأة خارج البيت مقابل تركها لمهمّتها البيتية الجسيمة، وعلى حساب أمومتِها وأنوثتها، وإنّ المتتبّع للآيات القرآنية والأحاديث النبوية المتعلّقة بنظام الأسرة يحسّ بعِظَم الدور المنوط بالمرأة وضخامة المسؤولية الملقاة على كاهلها.
3- إنّ مقوّمات مجد الأمة وتقدّمها ضربان: ضرب روحي يتمثل في قوة عقائدها واعتزازها بثروتها من القيم والمثل العليا، وضرب حسّي يتمثّل في قوة جيشها ونظامها واقتصادها، وكلما كان حظ الأمة من كلا هذين الضربين أوفر كان حظها من مجد الأمة وتقدمها أعلى وأبين، والإسلام جاء بتحقيق هذين الضربين، فأوكل المهمّة الأولى للمرأة بالقيام على تربية الأولاد وإنتاج ثمرات قرائحهم وغرس القيم المثلى في نفوسهم، كما أوكل المهمة الثانية للرجال بالقيام على الإنتاج وتنمية الثروة وكسب الرزق.
4- ليس بخاف أنّ التحسّر على بقاء المرأة في البيت دون مشاركتها في الأعمال الحرة نظرة غربية المولِد والمنشأ، والتي تدعو إلى تدنيس المحصَنات الغافلات المؤمنات تقليدًا للغرب[2].
الشبهة الثانية: إنّ من حقّ المرأة أن تعمل وتتكسّب من أيّ مهنة شاءت كما يفعل الرجل طالما أن ذلك نابع من رغبتها، ولها قدرات على العطاء والإنتاج والإبداع لا تقل عن الرجل، كما أن منعها من العمل لا يتمشّى مع روح العصر ومتطلباته، حيث تقضي ظروف المعيشة الراقية أن يتاح للمرأة صنوف الأعمال التي ترغب فيها[3].
والجواب:
1- إننا في هذا العصر نشهد على ملأ من الناس مشاركةَ النساء للرجال في كثير من الأعمال، فماذا حققت المرأة من وراء ذلك غير خراب البيوت الآمنة وانحلال الأخلاق وفساد المجتمع وتشرّد الأطفال وظهور البطالة في صفوف الرجال؟!
2- وإذا كانت المرأة نجحت في بعض الأعمال الحرة فلا يعني ذلك أن المرأة أثبتت كفاءتها في هذا المجال أو ذلك؛ لأن الحالات الفردية لا يمكن تعميم الحكم على ضوئها، وهب أن المرأةَ بالفعل برزت في عمل ما وفاقت فيه الرجال، فهل يعتدّ به وقد أخفقت في الأمومة وأضعفت الثروة الحقيقية للأمة، ألا وهي إنتاج القرائح النيّرة بتربية الأجيال؟!
3- بالاطلاع على معطَيات العلوم الحديثة الكاشفة عن مختلف حالات المرأة النفسية يتضح أن هناك عوائق ذاتية تؤثر على عمل المرأة وتخفق من أداء واجباتها المهنية، منها:
أ- أن كيان المرأة النفسي والجسدي قد خلقه الله على هيئة تخالف تكوين الرجل، وقد بني جسم المرأة ليتلاءم مع وظيفة الأمومة ملاءمة كاملة، كما أن نفسيتها قد هيئت لتكون ربة أسرة وسيدة البيت.
ب- يعتري النساء بحكم الأنوثة جملة من الحالات تمنعها قهريًا من العمل، كإصابتها بآلام الحيض والحمل والولادة ومتاعب الرضاع بعد ذلك، وصدق الله تعالى إذ يقول: {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِى عَامَيْنِ} [لقمان:14].
ج- تمتاز المرأة بعاطفتها الجياشة، فمن الطبيعي أن يكون للمرأة تكوين عاطفي خاص لا يشبه تكوين الرجل، وعليه فإن إقحامها في الأعمال الرجالية الشاقة بَدَنيًا أو التي تحتاج إلى مجهود متواصل ظلم لها وإجحاف في حق المجتمع؛ لأنه صرف للقوة النافعة عن وظيفتها الأساسية وتعطيل للكفاءات والقدرات كذلك[4].
--------------------------------------------------------------------------------
[1] تنظر الشبهات بتوسّع في: المرأة العصرية بين الماضي والحاضر لأحمد طه (ص: 75 – 76)، والإسلام وقضايا المرأة (ص: 221 – 222)، وبحوث المؤتمر الإقليمي الثاني للمرأة في الخليج (1/97)، وعمل المرأة وموقف الإسلام منه لعبد الرب (ص: 205 – 207).
سابعاً: ملحقات البحث:
1- قصص:
1. قالت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها: تزوجني الزبير بن العوام وما له في الأرض مال ولا مملوك ولا شيء غير ناضحٍ وغير فرسه، فكنت أعلف فرسه، وأكفيه مؤنته، وأسوسه، وأدقّ النوى لناضحه فأعلفه، وأستقي الماء، وأخزر غرْبه، وأعجن، ولم أكن أحسن الخبز، فكان يخبر جارات لي من الأنصار، وكنّ نسوة صِدق، وكنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأسي وهي مني على ثُلْثَي فرسخ.
فجئت يومًا والنوى على رأسي، فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه نفر من الأنصار فدعاني ثم قال: ((إخ، إخ)) ليحملني خلفه، فاستحيَيت أن أسير مع الرجال، وذكرت الزبير وغيرته وكان أغير الناس، فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أني قد استحييت فمضى، فجئت الزبير فقلت: لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى رأسي النوى ومعه نفر من أصحابه، فأناخ لأركب، فاستحييت منه وعرفت غيرتك، قال: والله لحملُك النوى كان أشدَّ عليّ من ركوبك معه، قالت: حتى أرسل إليّ أبو بكر بعد ذلك بخادم تكفيني سياسة الفرس فكأنما أعتقني[1].
2. حضرت الخنساء بنت عمرو السلمية حربَ القادسية ومعها بنوها أربعة رجال، فقالت لهم من أول الليل: يا بَنِيّ، إنكم أسلمتم طائعين، وهاجرتم مختارين، ووالله الذي لا إله إلا هو إنكم لبنو رجل واحد، كما أنكم لبنو امرأة واحدة، ما خُنت أباكم، ولا فضحْت خالكم، ولا هجنت حسبكم، ولا غيرت نسبكم.
فلما أضاء لهم الصبح باكروا مراكزهم، فقاتلوا حتى قتلوا رحمهم الله، فبلغها خبرهم، فقالت: الحمد لله الذي شرفني بقتلهم، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته[2].
2- أبيات شعرية:
قال حافظ إبراهيم:
أنا لا أقول دعوا النسـاءَ سواحـر
يدرجن حيـث أردْن لا مـن وازع
يفعلن أفعال الرجال لواهيــــًا
في دورهن شؤونهن كثيــــرة
بين الرجال يَجُلْن في الأســـواق
يحذرن رِقبتـه ولا من واقــــي
عن واجبات نواعس الأحـــداقِ
كشؤون ربّ السيف والمـرزاقِ[3]
3- محمدة مناسبة:
الحمد لله الذي حفظ حق المرأة وأعلى قدرَها، وأمر المرأة أن تلْزم خِدْرها، وجعل الحياء شعارًا لشرفها، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جعل الأدب الشرعي عنوان الفلاح، وهدى من شاء بحكمته من خلقه لطريق الصلاح، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله الهادي إلى صراط مستقيم، اللهم صل وسلم وبارك على محمد وعلى آله ومن تبعهم في كل أمر قويم.