لا يمكن لمشروع أمريكي أن يبدأ ويتوقّف عند الفشل مهما كانت نسبة الفشل، هي إستراتيجية أمريكية حين تحضر أوراقاً لمعركة لا تغادر الساحة قبل حرقها، فلكل ورقة دور إما في المشروع أو في البديل الثاني. وفي دير الزور حين وصل المشروع الأمريكي، كانت الياسمينة الزرقاء مترنّحة تماماً، ولكن حرقت واشنطن ورقتها للتغطية على بديل آخر للضغط على دمشق من خلال محاولة إقامة منطقة عازلة على الحدود التركية.
ما حدث في دير الزور والميادين..؟
حين التكّلم عن قتل وترحيل كل أهالي درعا، يمكن مقارنة ما حدث على الأرض مع المعلومات التي نشرتها وبقليل من التدقيق يمكن التحقّق من الموضوع، فالأمر واضح وضوح الشمس، والتقسيم الطائفي يوجد حوله مئات الدلائل، ولكن حين قلت إن دير الزور كانت خارج الدويلات السورية، فهي معلومة وجب إثباتها، وقلت سابقاً إن مشروع التقسيم يقضي بمنح تركيا قسماً كبيراً من الأراضي السورية، وفي الداخل السوري كان سيبقى دويلة سنية واحدة تضمّ حمص ودمشق وقد تتوسّع إلى شمال لبنان، غير أن دير الزور، خُطّط لها أن تكون خارج الحدود التركية وخارج حدود الدويلة السنية في حمص ودمشق، فدير الزور والميادين كانت ستضمّ لدويلة سنية في العراق، والسبب أن الأمريكي لا يريد منح تركيا جغرافيا تعطيها نفوذاً، والأهم منع قيام أي تحالفات في المستقبل بين تركيا والدويلات السنية المحيطة بها، فدويلة سنية تصل إلى دير الزور ستحدّد لتركيا حجمها، ويمكن خلق نزاع بينها وبين تركيا وبين الدويلة السنية في حمص ودمشق، وهذا بدوره يترك فراغاً جغرافياً في البادية السورية، تتوسّع فيه إسرائيل عسكرياً لتصل إلى معظم البادية السورية، وبذلك تضمن واشنطن التفوّق العسكري الإسرائيلي من جهة، ولأن السيطرة على البادية عسكرياً أقل تكلفة من المناطق المأهولة بالسكان، وبالتالي يصبح لإسرائيل حزام من دويلات طائفية من جهة وحزام الصحراء لجهة الدويلات الناشئة، ويؤسّس لها لترحيل الدروز إلى خطوط تماس مع الدويلات التكفيرية الناشئة.
التحضير للمشروع..!
قامت دول الخليج باستقدام آلاف السوريين، وقسم كبير منهم من أهالي دير الزور، وبنفس الوقت قامت الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية عبر أجهزة استخبارات عربية، بزرع شقاق بين أهالي دير الزور من جهة وباقي السوريين من جهة ثانية، فخلال سنوات كان يتمّ التضييق على المغتربين السوريين من أهالي دير الزور والميادين بشكل خاص، والأهم هو أن معظم التأشيرات التي منحت للشباب العاطل عن العمل في دير الزور هي تأشيرات عمل مدفوعة الثمن دون عقد عمل، وذلك للبحث عن عمل أي من دون وظيفة كي يكون استدعاء أي شخص إلى مقرات الأمن ومداهمة مساكنهم أمراً شرعياً بحجة مخالفتهم القوانين، فضلاً عن إرسال عملاء مدربين للعمل في الميدان، وإرسال مقاتلين من دول مجاورة.
ومن نماذج زرع الشقاق بين مغتربي دير الزور وباقي المغتربين السوريين، ما يجري في دولة قطر، ويمكن لأي سوري التأكد من المغتربين السوريين هناك، وأن إشاعات يشرف على نشرها شيوخ (الشيخ أحد أفراد الأسرة الحاكمة) بأن السوريين منعوا من دخول قطر ومنع إصدار تأشيرات سورية بسبب (ما قام به أهالي دير الزور) ومن له تأشيرة قديمة لا تمنح لأي شخص من أهالي دير الزور. وحين تحقّقت من الأمر تبيّن أن دورية من الأمن القطري أساءت لشباب اثنين من شباب دير الزور المقيمين في قطر، وتفادى الشباب الرد ولكن كما نعلم أن السوري بطبعه لا يقبل الإساءة، فكيف بأبناء عشائر تعتز بوجودها، وحين استمر رجال الأمن بالإساءة للشباب بألفاظ نابية حدثت مشاجرة أودت بأربعة جنود أمن إلى المشفى بحالات خطيرة، وبدأت تنتشر إشاعات أن سبب وقف تأشيرات السوريين (هو هذه الحادثة حين دافع شباب عن كرامتهم وتمّ اعتبارها تعدياً على الأمن وليس استفزاز الأمن لهم).. وطبعاً الكثير من الحوادث التي كان لها هدف واحد هو زرع الشقاق بين أهالي دير الزور والميادين من جهة وباقي السوريين من جهة ثانية، فضلاً عن التضييق على المغتربين السوريين من دير الزور للبحث بينهم عن أصحاب نفوس ضعيفة يمكن الضغط عليهم. وللعلم كان العمل بين المغتربين السوريين من أهالي دير الزور والميادين صعباً جداً على الاستخبارات الأجنبية والعربية، ربما بسبب أن أهالي دير الزور ينتمون لعشائر يستحيل شراء شبابها، ولهذا تمّ استعمال الكثير من الأساليب الدنيئة، والاستعانة بمقاتلين غير سوريين أثناء السيطرة على المدينة.
ومن الجدير ذكره أن مشروع الياسمينة الزرقاء تهاوى تماماً، وربما أدركت القيادة السورية أن تدخل أي قوات أجنبية من جهة دير الزور هو أمر مستحيل، لأن الجنوب والساحل لم يشتعلا، والجيش حافظ على وحدته، وسقط المشروع، ولكن ضمن الخطط البديلة كان إقامة منطقة عازلة في مدينة جسر الشغور، ونتذكر مقتل 120 شرطياً هناك على يد عصابات دربت في تركيا، ولهذا قامت واشنطن باستثمار أوراقها في دير الزور لتشتيت القيادة السورية، بأن هناك منطقة عازلة على الحدود العراقية، ولتشتيت الجيش واستنزافه، وللتغطية في حينها على جسر الشغور. وعلمت أن العصابات المسلحة سيطرت على دير الزور فترة طويلة وصلت إلى أكثر من شهر، وللمناسبة لم يتكلم الإعلام عن هذا الأمر، فلا القنوات المعادية كانت تريد الاعتراف بوجود مسلحين ولا السلطات تكلمت حتى حسم الأمر في جسر الشغور وتوجهت قوات عسكرية إلى دير الزور أعادت الأمن للمدينة. وبحسب صديق من دير الزور كان في المدينة قبل يومين من دخول الجيش إلى المدينة وعاد والجيش كان قد أنهى مهامه قال: إن سيطرة العصابات المسلحة على المدينة أسقطت المعارضة بين الناس وعاشت المدينة أياماً صعبة جداً أثناء وجود العصابات، ولكن الجيش استطاع الحسم بسرعة واستعاد الناس الثقة بالدولة، وحين سألته عن تصرف الجيش هل حدث أي تجاوز قال، يستحيل دخول قوات عسكرية ولا يحدث أي تجاوز أو أي خطأ، ولكن إجمالاً كانت التجاوزات أقل من الطبيعية ولا يمكن ذكرها، ويمكن القول إن القوات المسلحة السورية لم تقم بمهام نوعية فحسب بل كان هناك انضباط وضبط نفس هام جداً ترك الراحة في قلوب الناس، ليس فقط في دير الزور بل في معظم المناطق، ويذكر أن ضبط النفس للقوات المسلحة السورية كان له وقع مرعب في قلوب الأعداء، لأنه يعتبر نوعاً من القوة للجيش في علم النفس العسكري، فحين يقوم الجيش بتنفيذ مهماته بين مدنيين دون حدوث تجاوزات فهذا يعني أن هناك انضباطاً مطلقاً وحديدياً ويؤشر إلى قوة وتماسك الجيش.
ويذكر أنه في دير الزور كان الفضل الأكبر في إسقاط المؤامرة للأهالي وشيوخ العشائر الذين منعوا العصابات المسلحة من تجييش المدينة ضد الدولة، وحدّوا من عمل العصابات إلى حين دخول القوات السورية وتطهير المدينة، وهنا أكرّر أن الشعب السوري شعب عظيم تصدى لكل المؤامرات التي حيكت لسورية وكان سداً منيعاً حمى وحدة الأراضي السورية