أدخل رجل ابنه في مصنع، وفرض عليه أن يقدم إليه أجرة عمله في مساء كل يوم، وكان للولد أم جاهلة، ترى ألا يشتغل فلا يتعب، وكان الولد يقضي نهاره في اللعب والبطالة، فإذا جاء المساء عاد إلى البيت فتعطيه أمه أجره ليقدمه إلى أبيه، فيأخذ الرجل هذه الدراهم، ويوهم الولد أنه يلقيها من النافذة، ولكن يودعها صندوقًا أعده لجمعها، ولما طال الحال بتلك الأم الجاهلة ونفد ما عندها من مال، قالت لابنها: اذهب واشتغل اليوم، فقد نفد كل مالي، فذهب الولد واشتغل طوال النهار، وعاد بأجره وقدمه إلى أبيه، فأخذ الرجل الدراهم وهم برميها من النافذة كما كان يفعل، فصرخ الولد قائلاً: لا تفعل يا أبي فإني كسبتها اليوم بعرق جبيني، ولا يهون على ضياعها.
فقال له والده: حقًا يا ولد، لا يعرف قيمة المال إلا من تعب في الحصول عليه وذاق حلاوة الكسب وأنشد بقول:
ليس الحياة بأنفاس نرددها إن الحياة حياة الفكر والعمل