الخطبة الأولى
أما بعد: ثبت عن النبي أحاديث كثيرة تتحدث عن آخر الزمان، وهذه الأحاديث تعطي تصورًا صحيحًا للمسلم لما سيحصل في المستقبل من خلال النصوص الشرعية.
والمقصود بآخر الزمان: هو آخر زمان الدنيا الذي يكون بين يدي الساعة، ولعل أوله بعثة الرسول كما ثبت في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((بعثت أنا والساعة كهاتين)).
أيها المسلمون، سيظهر في آخر الزمان مساوئ نطق بها النبي ، محذرًا أمته أن يقعوا في شيء من ذلك. نسأل الله تعالى أن يعصمنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
عن أبي موسى الأشعري وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله : ((إن بين يدي الساعة أيامًا ينـزل فيها الجهل، ويُرفع فيها العلم، ويكثر فيها الهَرْج)) رواه البخاري. والهَرْج: القتل. وعن أنس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول: ((إن من أشراط الساعة أن يُرفع العلم، ويظهر الجهل، ويفشو الزنا، ويُشْرَب الخمرُ، ويذهب الرجال وتبقى النساء، حتى يكون لخمسين امرأة قيِّم واحد)) رواه مسلم. وعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أن النبي قال: ((ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحِرَ والحرير والخمر والمعازف)) أخرجه البخاري معلقًا.
فهذه الأحاديث ـ معاشر الأحبة ـ وما في معناها تدل على حصول بعض المساوئ التي تكون في آخر الزمان، ويرتبط بعضها ببعض، من فشوا الجهل وقلة العلم، وقد بدأ النقص في العلم من بعد أن أكمل الله الدين وأتم النعمة وانتقل الرسول إلى ربه عز وجل، ولا يزال ينقص إلى أن يُرفع بالكلية، كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح الذي رواه حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب، حتى لا يُدرى ما صيام ولا صلاة ولا صدقة، ويسرى على كتاب الله في ليلة فلا يبقى في الأرض منه آية، وتبقى طوائف من الناس الشيخ الكبير والعجوز يقولون: أدركنا آباءنا على هذه الكلمة لا إله إلا الله فنحن نقولها)).
وقد ظهر هذا النقص في هذا الزمن بصورة واضحة جدًا، حتى صار أكثر الناس يجهلون المعلوم من الدين بالضرورة، ومن تأمل النصوص ونظر في الواقع أدرك أن هذا النقص إنما هو نتيجة حتمية لأسباب كثيرة، لعل من أبرزها موت العلماء، وقد فقدت الأمة أكبر علمائها العاملين وأبرز دعاتها المشهورين في فترة قصيرة، ومن حكمة الله تعالى أن تعاقب موتهم، فقدنا الأول ثم فقدنا الثاني ثم فقدنا الثالث، فإنا لله وإنا إليه راجعون، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله يقول: ((إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء؛ حتى إذا لم يترك عالمًا اتخذ الناس رؤوسًا جهالاً فسُئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا)) رواه مسلم.
ومن أسباب النقص أيضًا عدم الإخلاص في طلب العلم، ويدل على ذلك ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((إذا اتُخذ الفيء دولاً والأمانة مغنمًا)) وفيه: ((وتعلم العلم لغير الدين)). وقد حصل هذا عندما رُبط العلم الشرعي بالمال في كثير من البلاد، ورُبط العلم بالمناصب الرسمية، وأصبح الناس يطلقون على هذا بأنه عالم بحسب منصبه الرسمي، ولا تعرف ذاك ولا تستفتيه لأنه ليس لديه منصب رسمي، فنَـزع الله من الأول الخشية والبركة والنفع والعمل إلا ما شاء الله، فمات العلم في القلوب، فهو لا يتجاوز التراقي والحناجر.
وكما شهد هذا الزمان موت كثير من العلماء الربانيين الذين كانوا منارات يُهتدى بها من ظلمات الشهوات والشبهات، فقد شهد الرؤوس الجهال الذين يتجرؤون على الفتوى بغير علم. والله المستعان.
وهناك الحرب ضد تعلم الدين، وسياسة تجهيل الشعوب بالإسلام تحت ستار مكافحة الإرهاب، ومن مظاهر ذلك تغيير المناهج وتقليص مواد الدين في كثير من البلاد، وقفل المعاهد والمدارس الشرعية، ومضايقة أهل السنة ودعم أهل البدعة، ونحو ذلك مما يساهم في إبعاد الناس عن العلم الشرعي، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((سَيَلي أموركم بعدي رجال يُطفئون السنة، ويعملون بالبدعة، ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها))، فقلت: يا رسول الله، إن أدركتهم كيف أفعل؟ قال: ((تسألني ـ يا ابن أم عبد ـ كيف تفعل؟! لا طاعة لمن عصى الله)) حديث صحيح.
أيها المسلمون، ومن صور السوء في آخر الزمان فشو الزنا وكثرته، حتى أصبحت تجارة البغاء تشكِّل ربحًا هائلاً وموردًا ضخمًا من موارد المال في بعض البلاد التي أهلها مسلمون، وقد هيأ المجرمون وسائله ودواعيه حتى أصبح أسهل مما يتصور، ولا يزال يزداد ويكثر حتى تموت الغيرة في النفوس، وتسقط آخر مرتبة من مراتب الإنكار، فيُقارف الزنا علانية على قارعة الطريق، كما ثبت في الحديث الصحيح الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((والذي نفـسي بيده، لا تفنى هذه الأمة حتى يقوم الرجل إلى المرأة فيفترشها في الطريق، فيكون خيارهم يومئذ من يقول: لو واريتها خلف هذا الحائط)).
ومن مظاهر السوء أيضًا ظهور الأغاني والمعازف، فقد وقعت هذه العلامة في العصور السابقة، وهي الآن أشد انتشارًا وتنوعًا، وقد استهان بحرمتها كثير من الناس، بل ممن ينتسبون إلى أهل العلم نسأل الله السلامة، وبات التهديد بالمسخ والقذف والخسف قريبًا ما دامت الأمة لاهية تستحل ما حرَّم الله عليها، من تعاطي أسباب الفسق والفجور، وقد ازداد هذا البلاء حتى تجاوز مرحلة السماع والاستمتاع إلى التقنين والتقعيد والتخطيط والتنظيم وجلب الخبراء وفتح المعاهد وصياغة المناهج، حتى أصبحت فنًا يدرَّس وعملاً يمارس، فأي ظهور بعد هذا الظهور؟!
ومثله انتشار الخمر في بلدان المسلمين وكثرة شربها وتداولها بين الناس، وحمايتها بالقوانين والأنظمة حتى أصبحت أمرًا مألوفًا يقدم مع الطعام ويوزع في الفنادق، وهو نديم المسافر في رحلاته، ورفيق الضال في سهراته وخلواته، وتُلحق به المخدرات بجميع أنواعها التي ابتليت بها البشرية فأصبحت شبحًا يهدد أمن الدول وحياة الأفراد.
ومن أبشع صور الشر والفساد في آخر الزمان ما أخبر به النبي من الاستخفاف بالدم وكثرة القتل، قال فيما صح عنه: ((بادروا بالأعمال خصالاً ستًا ـ وذكر منها ـ واستخفافًا بالدم))، وقد استُخِفّ اليوم بدم البشرية عندما تمكن المجرمون من قيادة الأمم، حيث أشعلوا الحروب الطاحنة في كل مكان بلا سبب ولا مبرر، واستخدموا أبشع الأسلحة المحرمة دوليًا، واستُنـزفت خيرات وأموال دول وشعوب في هذه الحروب، كان بالإمكان أن تحل أزمات ومشاكل عشرات الدول والشعوب لو كان الساسة عقلاء، وقبل وبعد هذا يزعمون أنهم دعاة سلام. نسأل الله جل وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن.
قال رسول الله : ((بادروا بالأعمال فتنًا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنًا ويمسي كافرًا، ويمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا، يبيع دينه بعرض من الدنيا)) رواه مسلم.
إن المبادرة بالأعمال الصالحة هي التي تكون حصنًا قويًا من الفتن العظيمة المظلمة التي تكون بين يدي الساعة، ومنها الفتنة في الدين حيث يضعف التمسك به ويعز الثبات عليه، لدرجة أن العبد يتقلب بين الحق والباطل، وبين الإيمان والكفر في اليوم الواحد، حتى إنه يصبح مؤمنًا ويمسي كافرًا، ويمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((سيأتي على الناس سنوات خداعات، يُصدَّق فيها الكاذب ويُكذَّب فيها الصادق، ويُؤتمن فيها الخائن ويُخوَّن فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة))، قيل: وما الرويبضة؟ قال: ((الرجل التافه يتكلم في أمر العامة)).
والمراد من الحديث بيان فساد آخر الزمان، حيث تختل المقاييس وتتقلب الموازين، فيتصدر الأمة من ليس لذلك بأهل، ويتزعم القبيلة أفسقُهم، ويسود القوم أرذلهُم، كما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((إذا اتُّخذ الفيء دولاً والأمانة مغنمًا، والزكاة مغرمًا…)) وفيه: ((وساد القبيلة فاسقهم، وكان زعيم القوم أرذلهم، وأُكرم الرجل مخافة شره)). ومن تأمل الواقع وأمعن في النصوص رأى سفينة الأمة تمخر عباب بحر متلاطم من الفتن والبلاء، يقودها الرجل التافه بمجموعة كاملة من الفسقة والمجرمين.
أيها المسلمون، إن ضعف المسلمين في كثير من المجالات وبُعْدهم عن مراكز التأثير ومواقع القيادة مكّن أعداء الإسلام من السيطرة التامة فأصبحوا قادة العالم وصنّاع القرار، يضعون من يشاؤون في المكان الذي يشاؤون، فيضمنون بذلك بقاء السيادة في أيديهم، وقد أخبر بذلك كما في الحديث الصحيح مرفوعًا: ((ليأتين عليكم أمراء يقرِّبون شرار الناس، ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها، فمن أدرك ذلك منكم فلا يكوننّ عريفًا ولا شرطيًا ولا جابيًا ولا خازنًا)).
ومن المظاهر المؤلمة ـ ونحن في أواخر الزمان ـ تداعي الأمم على الأمة الإسلامية ونهب خيراتها والعبث بعقول أبنائها، كما في حديث ثوبان رضي الله عنه عند الإمام أحمد وغيره قال: قال رسول الله : ((توشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها))، فقال قائل: أمن قلة نحن يومئذ؟! قال: ((لا، بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينـزعنّ الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن))، قيل: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: ((حبّ الدنيا وكراهية الموت)).
وفي هذا الحديث إشارة إلى السرّ الحقيقي في ضعف المسلمين وتداعي الأمم عليها، وهو حب الدنيا وكراهية الموت، وقد تعلقت القلوب في هذا الزمن بالمال حتى عُبد الدينار والدرهم، وتَعَامل الناس بالربا، وانهَمَك الكثيرون بالحرث والزرع، وأَوغَلَ الناس في الترف، ونُسي الجهاد في سبيل الله، فتداعت علينا الأمم، ووقع الذل الذي لا يُرفع إلا بالعودة إلى الجهاد في سبيل الله تعالى، ولن يكون ذلك إلا إذا تعلقت القلوب بالله تعالى وحده، وقد أخبر رسول الله بهذا الواقع، كما في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : ((إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم بأذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد في سبيل الله سلط الله عليكم ذلاً لا ينـزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم)). وقد عانت الأمة من ذل الاستعمار المفروض بالنار والحديد ردحًا من الزمن، وهي اليوم تعاني أشكالاً جديدة منه، بسبب ما خلفه الكفار في الأمة من ثقافاتهم وعاداتهم، وقوانينهم التي تمارس من قِبل الأمة الغثائية بطيب نفس، أو تفرض عليهم فلا خيار لهم. والله المستعان.
فنسأل الله جل وعلا أن يعجل بفرج أمة محمد فرجًا عاجلاً غير آجل.
الخطبة الثانية
أما بعد: ورغم كثرة المساوئ التي تقع في آخر الزمان، فإن هناك فضائل ومبشرات كثيرة تفتح باب الأمل للمسلم، وتزيد في يقينه وثقته بنصر الله تعالى، وقد جاءت تلك المبشرات في كثير من النصوص النبوية، من ذلك ما روته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله يقول: ((لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى))، فقالت عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله، إن كنت لأظن حين أنزل الله: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْـحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْـمُشْرِكُونَ [الصف:9] أن ذلك تام! قال: ((إنه سيكون من ذلك ما شاء الله))، وقال : ((ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز أو بذل ذليل، عزًا يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل الله به الكفر)).
إنها بشارة من النبي بأن الأمة ستعود إلى دينها بإذن الله تعالى، وسيدخل هذا الدين الحواضر والبوادي، وسيظـهر هذا الدين على الدين كله ولو كره المشركون، وذلك يوم تكون الأمة أهلاً لذلك، تعمل للدين وتضحي من أجله.
ثم إن هناك نصوصًا كثيرة تبشر بعودة الجهاد في هذه الأمة في آخر الزمان، وهذا من أعظم المبشرات، من ذلك حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه عندما سئل: أي المدينتين تفتح أولاً: القسطنطينية أو رومية؟ وفيه فقال رسول الله : ((مدينة هرقل تفتح أولاً))، يعني: القسطنطينية، ومثله ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((لا تقوم الساعة حتى ينـزل الروم بالأعماق أو بدابق، فيخرج لهم جيش من المدينة)) رواه مسلم، ومثله حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((سمعتم بمدينة جانب منها في البر وجانب منها في البحر؟)) قالوا: نعم يا رســول الله، قال: ((لا تقوم الساعة حتى يغزوها سبعون ألفًا من بني إسحاق)) رواه مسلم، وأيضًا حديث أبو هريرة رضي الله عنه المشهور قال: قال رسول الله : ((لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر والشجر: يا مسلم، يا عبد الله، هذا يهودي خلفي تعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه شجر اليهود)) رواه مسلم.
فهذه النصوص الكثيرة تبشر بعودة الجهاد في سبيل الله وكثرة الفتوحات وتطهير الأرض من نجاسة اليهود والنصارى وخبثهم، ولعل ما نراه اليوم من جهاد في مناطق عدة يكون بارقة أمل وبوابة إلى جهاد أعظم يؤذِن بنصر قريب وفرج عاجل إن شاء الله.
ومن المبشرات ما رواه حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكًا عاضًّا ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكًا جبريًا ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة)) ثم سكت. ففي هذا الحديث بشارة عظيمة بوقوع خلافة راشدة على منهاج النبوة، تكون بعد الملك الجبري.
ومن أعظم المبشرات ما رواه عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول: ((تقوم الساعة والروم أكثر الناس))، يقول راوى الحديث فقلت: أبصر ما تقول! قال: أقول ما سمعت من رسول الله، قال: لئن قلت ذلك إن فيهم لخصالاً أربعًا: إنهم لأحلم الناس عند فتنة، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة، وأوشكهم كرة بعد فرة، وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف، وخامسة حسنة جميلة: وأمنعهم من ظلم الملوك. رواه مسلم. استنبط العلماء رحمهم الله تعالى من هذا الحديث أن الروم يسلمون في آخر الزمان، وذلك من المبشرات ولا شك؛ لأن هذه الصفات قلما توجد إلا في أصحاب الإيمان الصادق، ويدل عليه قوله : ((والذي نفسي بيده، لو كان الإيمان بالثريا لتناوله رجال من هؤلاء))، يعني: فارس والروم.
ومن المبشرات قول النبي : ((إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب، وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثًا، ورؤيا المسلم جزء من خمسة وأربعين جزءًا من النبوة)) رواه مسلم.
إن صِـدْق الرؤيا من المبشرات في آخر الزمان كما في هذا الحديث، لكن بشرط الإيمان وصدق الحديث، ومن عظيم شأنها أنها جزء من النبوة، فهي دعوة للإيمان الصادق وصدق الحديث.
ومن المبشرات ظهور المهدي في آخر الزمان، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((لا تذهب الدنيا حتى يملك العربَ رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي))، فهذا الحديث من المبشرات بالمهدي حيث تواترت النصوص بخروجه وصفاته ومدة حكمه، وأنه من مبشرات آخر الزمان.
ومن أعظم المبشرات نزول عيسى ابن مريم عليه السلام، كما صح الخبر بذلك عن النبي حيث قال: ((فيكون عيسى ابن مريم في أمتي حكمًا عدلاً وإمامًا مقسطًا، يدق الصليب، ويذبح الخنـزير، ويضع الجزية، ويترك الصدقة، فلا يسعى على شاة ولا بعير، وترفع الشحناء والتباغض، وتُنـزع حُمة كُل ذاتِ حُمة، حتى يدخل الوليد يده في الحية فلا تضره، وتضرب الوليدة الأسد فلا يضرها، ويكون الذئب في الغنم كأنه كلبها، وتملأ الأرض من السلم كما يملأ الإناء من الماء، وتكون الكلمة واحدة، فلا يعبد إلا الله، وتضع الحرب أوزارها، وتسلب قريش ملكها، وتكون الأرض كفاثور الفضة تنبت نباتها بعهد آدم، حتى يجتمع النفر على القطف من العنب فيشبعهم، ويجتمع النفر على الرمانة فتشبعهم، ويكون الثور بكذا وكذا من المال، ويكون الفرس بدريهمات))، وقال : ((طوبى لعيش بعد المسيح، يؤذن للسماء في القطر، ويؤذن للأرض في النبات، حتى لو بذرت حبك على الصفا لنبت، وحتى يمر الرجل على الأسد فلا يضره، ويطأ على الحية فلا تضره، ولا تشاحَّ ولا تحاسد ولا تباغض)).