18:- عود على بدء: يقول المحلّل الإستراتيجي الروسي نيقولاي ستاريكوف في لقاء تلفزيوني حول كتابه "النفط محرك العلاقات الدولية" عبارة شهيرة وهي "في كل نزاع ابحث عن الطاقة وأنابيب الطاقة"، ومن أفغانستان حيث بسبب خط نفط قاطع كلينتون حركة طالبان، ثم جاء بوش الأب فاستقبلهم في البيت الأبيض والتقى الملا عمر مرة ثانية في السعودية، وصولاً إلى قيام جورج بوش الابن بحربه على أفغانستان، لتقترب نهاية عهد أوباما بعودة الاتصالات مع حركة طالبان، وأنبوب غاز الصحراء الكبرى كان سبب عشر سنوات دم في الجزائر، والآن انتقل الدم إلى نيجيريا ولم يهدأ في الجزائر، ونفس الخط أطاح بالقذافي وبن علي وبرلسكوني، وخط غاز شرق المتوسط كان سبب العدوان على لبنان ولاحقاً على غزة وفي العام 2011 على سورية، فكل المعارك تبدأ وتنتهي بالطاقة وأنابيب الطاقة، وكما مرّ معنا في الجزء الثالث والرابع فإن اتصال خط الغاز العربي القادم من مصر، بخط الغاز الإسلامي القادم من إيران في سورية سيكون بداية نهاية إسرائيل من دون أي طلقة، لأنه سيجعلها خصماً للمصالح الأوروبية، ويصبح محيط الكيان الصهيوني ضمن الأمن الأوروبي قانونياً.
نعم حتى الأطفال بالسياسة تأكدوا أن خطوط الطاقة ومنابع الطاقة هي محرك العلاقات الدولية والحرب والأزمات، وأخيراً ولأول مرة بالتاريخ هناك قوى من بلدان العالم الثالث وهي سورية وإيران ومعهما العراق والمقاومة في لبنان يدخلون عالماً ليس التصدي لخطوط الطاقة التي تحرق دولاً، وكأنها (أكشاك صغيرة في طريق أوتستراد ضخم)، بل بناء خطوط طاقة تغيّر خرائط جيوسياسية وخرائط سياسية في المنطقة، وهو المشروع الإيراني السوري العراقي اللبناني في المستقبل القريب، وكان لابد من ذكر طبيعة الصراع مع الكيان الصهيوني في الجزء الأول، ولاحقاً الصراعات الدولية التي استغلتها سورية وإيران، ومن ثم الكشف عن المشروع الإيراني السوري الذي في حال تمّ، انتهى الكيان الصهيوني إلى عزلة قاتلة، بل وأكثر من ذلك رغم كل العلاقات الروسية الإسرائيلية لأول مرة تصبح إسرائيل عقبة في وجه مستقبل ومصالح روسيا، وأصبح لزاماً على العالم التحضير لعالم من دون إسرائيل أو لإسرائيل من دون صهيونية، وبالتالي زوال أسباب الدعم الغربي لها نهائياً، وفي هذا المقال سنتوسع أكثر في دراسة الخطر القادم على الكيان الصهيوني.
19:- لبنان صخرة المقاومة: مع بدء العدوان على سورية كانت إسرائيل وبشكل خاص (صاحب ربع خط غاز شرق المتوسط) يوسف مايمان القائد الحقيقي للجيش السوري الحر، يستعد لبدء استخراج الغاز بالقرب من الحدود اللبنانية الفلسطينية، بواسطة شركات عالمية، وكان متأكداً من أن سورية ستصبح ست دول وسيسقط لبنان نهائياً، ولكن كان خطاب سيد المقاومة الشهير خطاب الغاز، حيث وضع حدوداً وشروطاً لاستخراج الغاز ليصبح لبنان على طرق استخراج غازه، وليس ذلك فحسب بل جزء من طوق الغاز على الكيان الصهيوني، وسماحة السيد حسن نصر الله، هو من أخبر الناس بطبيعة الكيان الصهيوني وهو الذي قال "من مآثر حرب تموز أنها أظهرت إسرائيل كأداة أمريكية"، فكل ما طلبه اللوبي الصهيوني الأمريكي من إسرائيل كان ضد مصالحها، وسماحة السيد يدرك تماماً أن فشل خط غاز شرق المتوسط في الوصول إلى تركيا وفشل إسرائيل باستخراج الغاز من الأراضي اللبنانية أو الأراضي المتنازع عليها سيعني خلال سنوات دعم الأوروبيين للقوي في المنطقة لاستخراج الغاز اللبناني، والغرب يدرك تماماً أن مستقبل الكيان الصهيوني أصبح مهدداً مع تزايد الطلب على الغاز في أوروبا وفشله في تغيير الخرائط في المنطقة، ولهذا نرى في كل تصريح لمسؤولي الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا عبارة واحدة تتكرر منذ انتصار المقاومة في لبنان وهي "الالتزام بأمن إسرائيل"، لأنهم يعلمون أن مستقبلها لأول مرة أصبح في خطر حقيقي وكارثي، وبالتالي الغرب يتهيأ لعالم بلا إسرائيل، وتطمين الغرب للكيان الصهيوني ليس إلا للجمه عن أي مغامرة تؤدي إلى عواقب كارثية على الغرب، ففي لبنان دق الأسفين الأول للقضاء على إسرائيل، وفي سورية أصبح زوال هذا الكيان شبه محتوم، وهو ما أكده سيد المقاومة في خطاباته، حين قال "إننا أقرب إلى القدس من أي وقت مضى".
20:- يوسف مايمان قائد الجيش السوري الحر: يوسف مايمان هو رمز للفساد في الكيان الصهيوني، فإذا كان أولمرت ونتنياهو استغلا منصبيهما للكسب المالي، فإن ضابط الموساد الأكبر يوسف مايمان الذي يشرف على إدارة الإرهاب في سورية هو أكبر رموز الفساد في الكيان الصهيوني، وهو الذي استقال من الموساد ليؤسّس شركات غاز، بناءً على المعلومات الإستخباراتية التي كانت لديه مطلع التسعينات، واليوم هو نفسه بدأ بكشف وتسريب ملفات فساد نتنياهو وليبرمان على أمل السير لاحقاً في العملية السلمية للحفاظ على مصالحه الاقتصادية، فمن جهة اللوبي الصهيوني الأمريكي ومعه الحكام الحقيقيون للكيان الصهيوني يبحثون عن مصالحهم على حساب كل شيء بما فيها إسرائيل نفسها، ومن جهة ثانية في أوروبا بدأت تتناقض المصالح وبشكل خاص في فرنسا وألمانيا مع المصالح الأمريكية وتتجه للقبول بعالم متعدّد الأقطاب والسبب الحقيقي لذلك هو التحضير لما هو قادم من خرائط جيوسياسية جديدة وتحالفات جديدة.
21:- هل ستقبل روسيا بعالم من دون إسرائيل: تتشابك المصالح الروسية مع الكيان الصهيوني، ولكن في حرب الغاز لأول مرة تصبح روسيا في حال أقرب إلى المواجهة، ولم تعد روسيا تنتظر قلق الكيان الصهيوني من نقل السلاح إلى سورية، بل ووصل السلاح على وجه السرعة وخصوصاً صواريخ ياخونت المرعبة وصواريخ إسكندر ذات الدقة العالية وفائقة السرعة، ولكن بالعودة إلى نهاية حقبة حسني مبارك حين بدأ بتطوير علاقات مصر مع روسيا ندرك أن أبعاد انتصار سورية ومشروعها في المنطقة سيوسّع المصالح الروسية ولا يحجّمها، والروس يدركون جيداً أن الأسواق المصرية أهم من التقنيات الصهيونية، خصوصاً وأن إسرائيل تطلب أثماناً باهظة لأوراقها، وليس ذلك فحسب بل أصبح استيراد التكنولوجيا إلى روسيا يشكل عامل ضغط على حزب روسيا الموحدة، حيث إن شراء حاملات المروحيات الفرنسية والطائرات من دون طيار الإسرائيلية، أثار سخط المواطن الروسي والشركات الروسية، ومن جهة ثانية لأول مرة تصبح إسرائيل خطراً على المصالح الروسية في مشاريع الغاز، وبالتالي روسيا لن يقلقها قيام أي تكتل عربي حتى لو غابت إسرائيل عن المنطقة، وعلاقاتها في آسيا أثبتت أنها قادرة تأمين مصالحها بسياسة الجمع وليس التفريق والإصلاحات التي حدثت في سورية أصبحت نوعاً من التطمين على مستقبل سورية على عكس حلفاء واشنطن، وبالتالي من الغباء القول إن روسيا ستدافع عن إسرائيل مهما تشابكت المصالح في المنطقة، وأبعد من ذلك في حال الصراع في شمال إفريقيا مال كفته إلى واشنطن بأي شكل من الأشكال وعاد التهديد للمصالح الروسية فإن روسيا قد تضغط في الشرق الأوسط وتنتقل من الحفاظ على أمن سورية إلى تغطية سورية عسكرياً بأبعد ما يتخيّل المراقبون.
22:- مستقبل الكيان الصهيوني: يدرك الإسرائيلي تماماً أن ما يحدث في مصر هو طفرة سياسية إلى حين تصحو الشركات المصرية من سبات المصالح مع الأمريكي، وتستعيد دورها في الشارع بحثاً عن المشاريع الاقتصادية القادمة وخصوصاً في سوق الغاز، ومع توسّع الاضطرابات في ليبيا وازدياد العجز المالي في مصر سيجدون أنفسهم في الحضن السوري الإيراني العراقي كمخلّص لهم ولأزماتهم القادمة، ولهذا الكيان الصهيوني بدأ بالتحضير لحرق مصر، ومعه واشنطن التي عادت للقتال لإخراج نفط جنوب السودان خارج الأراضي السودانية، فهذا يعني أن المعركة العالمية حين تحسم في سورية لن تنتهي، بل ستنتقل إلى ساحات جديدة، وبدأ فعلاً يتوسّع الصراع من إرسال قوات أمريكية إلى أوغندا وعودة الجيش الإثيوبي للصومال، فضلاً عن الاضطرابات في مصر وليبيا وصولاً إلى نيجيريا وربما قريباً الجزائر، وكلها معركة واحدة تستهدف روسيا والصين، ويبقى السؤال الملح: ما الذي يمنع موسكو من ضرب المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط ضربة قاضية....؟، وهذا السؤال من يدرك حجم الضربات التي تلقتها واشنطن وحلفاءها بعد خسارة العدوان على لبنان يدرك أن القادم أعظم، بل والمحللون يتوقعون أن يكون الرد الروسي منطلقاً من سورية، وبالتالي الذي ينتظر الكيان الصهيوني هو أسباب زواله على ثلاث مستويات:
22،1: أن يصبح محيطه معبر طاقة للأوروبيين ويخسر مصر لتنضم إلى التحالف المقاوم في سورية وإيران، واحتمال نجاته من هذا الحصار معدومة، خصوصاً وأن فتح صراع يستهدف مصر سينقل الصراع إلى الأردن، وبالتالي سيوسع الجبهة الإسرائيلية الى ما لا تحتمل.
22،2: استمرار الملفات العالقة بين واشنطن وروسيا في التصعيد من أفغانستان إلى إفريقيا وبالذات شمال إفريقيا فضلاً عن الدرع الصاروخي، قد ينتقل بروسيا من الدفاع إلى الهجوم كما حدث بعد العدوان على لبنان في حرب الغاز مع أوكرانيا مروراً بحرب القوقاز في جورجيا وصولاً إلى سقوط ثورة السوسن في قرغيزيا، وبالتالي يدرك الصهاينة تماماً أن الرد الروسي القادم قد يكون هجومياً عنيفاً وينطلق من سورية ويستهدف الكيان الصهيوني وجودياً، لأن ذلك سيزيل أي أحلام أوروبية بوجود مصالح مع واشنطن ويسقط النفوذ الأمريكي في أوروبا.
22،3: أن تبقى الملفات معلّقة إلى أجل غير مسمّى وتستطيع وقتها طهران إتمام دورة الوقود النووي ولو سلمياً، وبالتالي عودة المحور السوري الإيراني لبيضة قبان ليس فقط في الصراع على الغاز ومعابره بل وعسكرياً. وبالتالي التحالف السوري الإيراني استطاع عبر سنوات قليلة من اللعب على السياسة الدولية تحويل تحالفه الذي كان يعاديه كل العالم قبل عقد ونصف من الزمن، إلى تحالف يحدّد مستقبل العلاقات الدولية، بل ومستقبل العالم بقطب واحد أو متعدّد الأقطاب، وعادت سورية الحليف المدلّل للروس كما كانت للسوفييت سابقاً وليس ذلك فحسب بل حتى إيران في حال تحالفت مع روسيا وإن كان تحالفاً غير معلن، وبالعودة إلى محور الشر الأمريكي قبل عقد ونصف من الزمن (سورية– إيران– كوريا الديمقراطية- كوبا) سنجد أن هذا المحور أصبح أكثر من نصف العالم الذي يقف في وجه المشاريع الأمريكية، فكوبا أصبحت أمريكا اللاتينية، وفي آسيا قريباً ستجد واشنطن نفسها دون أي حليف، وفي إفريقيا خسرت الكثير الكثير وعلى رأسهم نيجيريا وجنوب إفريقيا، وروسيا بدأت باستعادة نفوذ الاتحاد السوفييتي، وأكثر من ذلك تكاد تستعيد التحالف مع ألمانيا كل ألمانيا وليس فقط الغربية، وبالمقابل الأمريكي يتراجع في كل الجبهات بما فيها مؤسسات الأمم المتحدة التي كانت حصان أعمال واشنطن العدائية سابقاً.
23:- العالم المتعدد الأقطاب: شهد العالم ساعات ترقب خلال الاثني عشر شهراً الماضية وعاش رعب القطب الواحد، وأصبح العالم متعدّد الأقطاب ضرورة للكثير من الدول وخصوصاً مع تسرب تفاصيل المشروع الأمريكي، والقلق من سياسة القطب الواحد لم يشمل الاقتصادات الناشئة فحسب بل حتى الدول المتقدمة، ويقال إن الاستخبارات الفرنسية والألمانية نفسها سرّبت الكثير من المعلومات عن أعمال الناتو في سورية وشيفراته، والهدف هو منع واشنطن من التفرد بالعالم، فضلاً عن النزاعات المالية داخل الكيان الصهيوني التي كانت سبباً في تسريب الكثير من المعلومات، ولكن أصبح العالم متعدّد الأقطاب حقيقة لا يمكن تجاهلها، وحين يقال إن العالم مقبل على سياسة تعدد الأقطاب فهذا يعني شيئاً واحداً في الصراع العربي الصهيوني، أن العالم المتعدد الأقطاب لا يحتاج إلى الكيان الصهيوني ضمنه ويصبح وجود هذا الكيان شاذاً، وما إن تنتهي آلام مخاض العالم الجديد حتى تنتهي إسرائيل معه تماماً.
ملاحظة: الأحباء القرّاء يسعدني أنني استطعت توضيح بعض ملامح انتصار سورية في المنطقة، وجاهز لإضافة أكثر من ملحق لتوضيح أي نقطة، علماً بأن الأسابيع والأشهر القادمة ستوضح كل كلمة في هذه المقالات كما وضحت المقالات السابقة التي اعتبرها بعض الزملاء سابقاً مبالغة، وأدرك لاحقاً أنها مسلّمات سياسية، وبناء على تعليقاتكم العزيزة على القلب يتمّ التوسع في شرح أي نقطة مع أطيب التحيات.