۩۩|[ كل الأنبياء بحاجة إلى محمّد (ص) ]| ۩۩
كل الأنبياء بحاجة إلى محمّد (ص)
محمّد (ص) خاتم الأنبياء، ومن معاني الخاتميّة، أنّ كل الأنبياء السابقين في حاجة إليه، وقد يتبادر إلى الذهن، أنّ هذه الحاجة تتصل بموضوع كمال الشريعة المحمّدية، ونقاء العقيدة من الشرك والغلو، وكل أنواع الخرافة التي لحقت الأديان السماوية، حيث انحرفت بها عن هويتها الصافية وأهدافها السامية، وليس من شك في أنّ لهذا التصور شيئاً من الواقعية، ولكن ما نقصده أساساً أكثر عمقاً، وأخطر دلالة، إنّه يتعلق بالأنبياء بالذات، من حيث وجودهم، وعلى مستوى سيرتهم، وفي خصوص نبوّتهم، وفيما يتصل بكتبهم، وفي مجال معجزاتهم!
كيف يمكن الإيمان بنبوّة عيسى – مثلاً – وهناك مَن يشك تاريخياً بوجود هذه الشخصية العظيمة؟
وهل ينقذ هذا الوجود من الشك مجموعة الأناجيل الموجودة بين أيدينا اليوم؟
هذه الأناجيل قيل – وهو حق ومبرَّر علمياً وعقلياً – الكثير عن تأريخها وعن تناقضاتها وعن أعدادها، فضلاً عن بعض أفكارها، التي يرفض العقل أن تكون وحياً إلهياً صادقاً. هناك فوضى تاريخية وفكرية ونفسية في خصوص هذه الأناجيل، ثمّ ما أسهل الكتابة على غرارها بل وأحسن منها، وفي الأدب العالمي ما يتجاوز روحانيتها وأسلوبها أشواطاً كبيرة في المعنى والعمق والتأثير، وقد تعرّضت وتتعرّض لنقدٍ حاد ومعقول، والفكر الكنسي في حيرة من الرد على فضيحة هذه الأناجيل، وبين فترة وأخرى يخرج علينا هذا الفكر بمحاولة إنقاذ ولكن دون جدوى، ولذا، لا تنهض هذه الأناجيل بأي دليل على وجود هؤلاء الأنبياء وعلى نبوّتهم، وهي تفتقد إلى التواتر العلمي الدقيق، وربّما كل هذه المفارقات أو بعضها، هي التي آلت إلى هذا الطلاق الزمني بين المسيحية كدين، وبين المسيحيين على إنتشارهم في مشارق الأرض ومغاربها، فليس سرّاً أنّ المسيحية كعقيدة تكاد أن تكون منسيّة، وهي خلو من الشريعة، والأخلاق التي تدعو إليها تتصف بالسلبية والخمول، وتُصاب أُمم العالم المسيحي بالرُّعب، من أي حديث عن ضرورة العودة إلى الدين، وإذا كان هناك إنتماء، فهو سياسي تاريخي فقط!
إنّ كل معجزة من معاجز هؤلاء الأنبياء عبارة عن إدعاء وحسب، لا يوجد أي شاهد حسِّي عليها، وسلسلة الإتصال إليها مقطوعة، ولا سبيل إلى إثباتها أبداً، وإذا كان بالإمكان تحصيل نوع من الدليل التاريخي على وجود إبراهيم أو موسى أو أيوب، فإنّ ذلك لا يدل بالضرورة على نبوتهم أو معجزاتهم.
كيف يمكن لإنسان أن يؤمن بهذه النبوات في مثل هذه الفوضى؟ إنّ السبيل الوحيد للتصديق بهؤلاء الأنبياء هو القرآن الكريم وحده، لأنّه المعجزة الوحيدة التي تملك دليل الحضور الفعلي، إنّه المعجزة التي نتعامل معها يومياً، نراها ونسمعها ونقرؤها، نتدارسها ونتناقش بها وفيها وعنها، في متناول كل يد، يسيرة الحضور والإستجابة لكل سؤال أو إستفهام، بلا شرط مسبق أو أذن تعجيزي، نعايشها في كل لحظة وجوداً وتحدياً وإستمراراً، معجزة سائرة لأنّها تتحدّى بإستمرار.
في ضوء هذه الحقائق يمكننا أن نقول وبكل إطمئنان، إنّ كل الأنبياء في حاجة إلى رسول الله (ص)، خاصة على صعيد إثبات نبوّتهم ومعاجزهم، فيما نبيّنا ليس في حاجة كبيرة أو صغيرة لأي من هؤلاء الكرام.
إنّ النبي محمّد بن عبدالله هو النبي الوحيد، الذي نحيط بحياته إحاطة واسعة وعميقة، تكاد تكون شاملة، يقول بذلك المؤمنون والجاحدون، وقد كُتبت سيرته الشريفة بالتفصيل، على ضوء أدقّ المقاييس النقدية. ولذا، لم يعانِ المسلم من أي مشكلة وهو يريد الإهتداء بسيرة نبّيه الكريم، في أي مجال من المجالات، وذلك بنسبة عالية من الشمولية والإطمئنان، وليس من شك أن من ضرورات النبوة الخاتمة هذا الوضوح بالسيرة، إنّها جزء لا يتجزّأ من هويّتها ومهمّتها، إنّ النبوة الخاتمة قدوة كاملة في مديات واسعة من شؤون الحياة، فمن الضروري أن تكون سيرة فارسها واضحة المعالم على مديات واسعة، وهذا ما هو متحقق في شخص محمّد بن عبدالله دون غيره، محمّد الذي لم تغب عنّا حتى صفاته الجسمية... حتى خصوصيات حياته... حتى شؤونه البيتيَّة!
وقال تعالى: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ...) (الإسراء/ 9).
قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ...) (الممتحنة/ 6).