الشيخ سعيد بن عيسى الباروني، ولد في أول القرن الثالث عشر من الهجرة(آخر القرن الثامن عشر ميلادي) في قرية(جريجن) بجبل نفوسة من القطر الليبي.حفظ القرآن مبكرا في مسجد القرية، وانتقل إلى مصر ليدرس بجامع الأزهر، وكان حريصا على جمع الكتب ونسخها. وبرع في العلوم النقلية والعقلية. و لما تخرج من الأزهر اضطلع بالتدريس، وقضى الشيخ بمصر مدة تناهز عشرين عاما فدرس بالمدرسة الاباضية الموجودة بالقاهرة علوم الشريعة، وتتلمذ عليه الطلبة الوافدون على القاهرة من جربة وميزاب وجبل نفوسة وسلطنة عمان. ولما رجع إلى مسقط رأسه بجبل نفوسة باشر التعليم. وأثناء ذلك دعي إلى زيارة جربة، واثر حلوله بها قصد مدرسة جامع أبى مسور اليهراسني بالحشان فتلقاه أهلها بالترحاب، واكرموا وفادته، ألقى بها دروسا لقيت إقبالا عظيما، فطلب منه المشرف على المدرسة المسورية بالجامع الشيخ صالح بن محمد أبى مسور، أن يقيم بالجزيرة ويتولى التدريس فيها بانتظام، بعد أن تعطلت المدرسة بوفاة مدرسها الشيخ سليمان الشماخي الذي أدركته المنية بالمدينة المنورة.
استجاب الشيخ سعيد لهذا الطلب، واستقر منذ ذلك الحين بجربة وطاب له العيش فيها، فاتخذها وطنا ثانيا. وكان ذلك سنة 1225هـ (1811م). واقبل على حلقته طلاب العلم من نواحي الجزيرة، ومن جبل نفوسة، حتى فاق عددهم مائة طالب. كما اضطلع الشيخ سعيد بإمامة الجمعة بجامع الشيخ بحومة السوق. وكان يحضر خطبة الجمعة عامل الجزيرة من أسرة ابن عياد، فيوجه ويحذره من عواقب الظلم.
ولمكانته العلمية كان أعيان جربة يزورونه في بيته، ويحضرون مجالسه العلمية ويناظرونه. وكان قدم إلى جربة الشيخ المصري احمد السناري فناظر علماءها وكان متفوقا في علم المنطق فأفحمهم. ولما اجتمع إلى الشيخ سعيد وناظره وجده متبحرا في العلوم، قوي الحجة، واستمر الرجلان في التباحث والمساجلة من صلاة العشاء إلى مطلع الفجر، واعترف الشيخ السناري، بعد هذا اللقاء بسعة علم الشيخ سعيد، ولما تحول إلى تونس وناقش علماء الزيتونة قال: لم أجد العلم إلا في جربة. وكان الشيخ سعيد قد جلب معه من مصر مجموعة كبيرة من المخطوطات، اشترى بعضها ونسخ البعض الآخر بخطه الجميل، كتبها بوكالة الجاموس بالقاهرة. فكانت هذه المجموعة النواة الأولى في تكوين المكتبة البارونية التي ظهرت في أوائل القرن التاسع عشر (1805). ثم ضم إليها الشيخ كتبه التي جلبها من جبل نفوسه، ونماها بعد ذلك بشراء مكتبة قريبة الشيخ موسى بن علي الباروني النفوسي. وقد حافظ على هذه المكتبة أبناؤه من بعده، خاصة منهم الشيخ علي المولود بالحشان، و واصل الأحفاد رعايتها و إثرائها بالكتب. وكان بعضهم شغوفا بالكتب مثل الشيخ يوسف بن علي المدرّس والإمام بجامع حومة السوق، ثم عني من بعده بهذا الرصيد الشيخ امحمد بن يوسف، ثم ابنه يوسف الذي بنى المقر الحالي للمكتبة سنة 1966، وزودها بكتب متنوعة في شتى العلوم.
توفي الشيخ سعيد الباروني مؤسس المكتبة سنة 1282هـ (1868م) ودفن بروضة أسرته الواقعة بجوار الجامع الكبير بالحشان، وهي المقبرة التي ضمت قبله رفاة الشيخ إسماعيل الجيطالي المتوفى سنة 750هـ (1349م)، وضمت أيضا رفاة علماء من عائلة المصعبي، وغيرهم ممن وصلتنا كتبهم المحفوظة بهذه المكتبة التي تمت على مر الأيام، وصارت مركزا علميا تفتخر به الجزيرة بعد أن ساهمت بقسط كبير في تكوين عدة أجيال من العلماء.
مقر المكتبة: يعود بناء المقر الجديد للمكتبة إلى سنة 1966هـ من طرف الشيخ يوسف بن امحمد الباروني خريج جامع الزيتونة والمدرّس بالمدارس الابتدائية بجزيرة جربة. سعى إلى المحافظة على مخطوطات أجداده وزوّدها بكتب متنوعة في شتى العلوم.